
بقلم: أماني محمد يوسف
#ملف_الهدف_الثقافي
مع اقتراب بداية فصل الشتاء، تبدأ طلائع هجرة الطائر الجميل الأنيق “أم قيردون” في الوصول بسلام إلى السودان، موطن هجرتها الشتوي… هذه البلاد، التي قال شاعرها إسماعيل حسن:
(حتى الطير يجيها جيعان من أطراف تقيها شبع)
وهل تعلم عزيزي القارئ أنها تأتي من أوروبا؟ وتقطع البحر الأبيض المتوسط إلى الشام! ومن الشام إلى الحجاز! ومن الحجاز للسودان! والله ما قصرتِ أبدًا يا الحاجة..
وهي فنانة ولها أسلوب متميز وفريد في الهجرة، فهي تركب على ظهر طائر الرَّهْو العملاق (الجامبو) وهو ينتظرها حتى تجهز ويحمل على ظهره عددًا منها ويتحرك بها عابرًا البحار والوهاد، وذلك يؤمن المنفعة للطرفين، أنها تحفظ له الجاذبية في البحر؛ يا سبحان الله!!..
وهي من أنفع الطيور للمزارع حيث تأكل الديدان والحشرات ولا تضر البذور والنباتات وتأتي فقط في الموسم الشتوي ثم تعود إلى أوروبا مع بداية الصيف عبر الحجاز..
أها أهلنا بيقولوا أم قيردون مشت الحج وعشان كدا يسمونها الحاجة ويغني لها الأطفال وهي ترقص في ضل الضحى تجري وتقيف تهوزز ضنبها..
أُم قيردُون يَا الحَاجَّة فِي كُلّ سَنَة دَاجَّة أُم قيردُون يَا الحَاجَّة وَلَدِك وِين رَاح يَا الحَاجَّة شِدّي النّوَاح يَا الحَاجَّة لَحَدّي الصّبَاح يَا الحَاجَّة
(عندها تتوقف عن الرقص حزنًا على ولدها) فيغيروا لها الأغنية لكي يتحول حزنها إلى فرح، وتقول كلمات الأُهزوجة:
اِمشِي مِشِيك يَا الحَاجَّة
وَلَدِك بِجِيك يَا الحَاجَّة
وَلَدِك عَرِيس يَا الحَاجَّة
تَحْت الدّفِيس يَا الحَاجَّة
بِالقَرمَصِيص يَا الحَاجَّة
وَلَدِك بِجِيك يَا الحَاجَّة
مِن المَرَاح يَا الحَاجَّة
فتواصل رقصها الجميل، وأهم حاجة إنه يشرك لها بدودة أو حشرة بشرك غير هَبّار، عشان تقبض حية لتربيها لأنها ما فيها لحم…
ونفس الحكاية تقريبًا في مناطق أخرى بالسودان، بأنها تركب طير الرَّهْو عشان يوديها مكة تحج بيت الله الحرام، وتجينا بعد كدا، وبسبب المعتقدات وفي الميثولوجيا السودانية الراسخة بهذا الكلام، إن شركك لو قبض أم قيردون، التي تسمى (القينقرد) أيضًا وماتت، يكون ما عندك شك (إنك للكفر يومئذ أقرب من الإيمان) ويغنوا ليها أغاني تختلف قليلًا في مناطق أخرى من السودان مثلًا في شمال السودان تقول الأُهزوجة:
الْقَينْقِرِدْ … يَا الْحَاجِّي بِتْ الْمَلِيكْ … يَا الْحَاجِّي حَجَّ اللَّهْ عَلِيكْ … يَا الْحَاجِّي دُودَكْ وَرَدْ … يَا الْحَاجِّي بَحْرَكْ شَرَدْ … يَا الْحَاجِّي وَلَدَكْ عَرِيسْ … يَا الْحَاجِّي يَوْمَ الْخَمِيسْ … يَا الْحَاجِّي جَابْلَكْ قَمِيصْ … يَا الْحَاجِّي
هذا وقد وثق الأدب الشعبي كذلك لطائر أم قيردون كما جاء في مسدار الحاردلو:
أَنْصَارَكْ كُتَار تَامّينْ عَبِِرَة الْكِيلْ
زِي نَبْتِ الرّبَا وَكْتِينْ رُكُوبِ الْخِيلْ
إِنْ مُو جُورْ زَمَانْ وَنَاسَاً بَصَرْهَا قَلِيلْ
“شَرَكْ أُم قِيرْدُونْ” كِيفَنّ يَقُبِضَ الْفِيلْ
كما استخدمت كرمزية في الأدب السياسي أيضًا حيث قال الشاعر:
أُم قيرْدُونْ حَمْ حَمْ،
شَتّتْنَا لِيكِ الْهَمْ!!
مَا تِقُولِي قَاصِدْ آزَاكْ،
أَنَا عِندِي زَيِّكْ كَمْ؟!
اِوْعَى الشّرَكْ مَفْتُوحْ!!
زِي الْجُرْحْ وَالدّمْ!!
وَالرُّوحْ دِي لَمّا تِرُوحْ، الرِّيشْ دَه كِيفْ يِتْلَمْ؟!
Leave a Reply