بين صفقات التصريحات وصواريخ الواقع: واشنطن تعلن تهدئة.. وتل أبيب تقصف طهران

تقرير: الهدف

في مشهد يعكس التناقض الصارخ بين لغة الدبلوماسية وواقع المواجهة، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يقود وساطة غير رسمية بدعم من جهات في الكونغرس وبتنسيق غير مباشر مع أطراف من تل أبيب وطهران، عن ما وصفه بـ”اتفاق وشيك لوقف الحرب” بين دولة الكيان الصهيوني وإيران.

لكن وبعد ساعات قليلة فقط من تصريحه، جاءت الصفعة: ضربة جوية إسرائيلية تهزّ العاصمة الإيرانية طهران، وتستهدف مبنى قيل إنه يستخدم كمركز لوجستي تابع للحرس الثوري الإيراني، وفقًا لوسائل إعلام عبرية. فيما التزمت طهران الصمت، واكتفت مصادر محلية بالإشارة إلى حرائق وأضرار مادية جسيمة، دون إعلان رسمي.

 

صدمة ما بعد التصريح

البيان الذي أطلقه ترامب من نيويورك مساء أمس، بشّر بـ”نجاح أمريكي جديد يعيد للبيت الأبيض دوره القيادي”، على حد قوله. غير أن صواريخ الفجر في طهران كانت كفيلة بنسف هذا التفاؤل الهشّ، لتثير تساؤلات ساخنة حول جدية الوساطة، وصدقيتها، ومدى اطلاع واشنطن على الهجوم الإسرائيلي:

هل كانت الضربة مفاجئة حتى على ترامب؟

أم أنها جزء من خطة تفاوضية تشدد من موقف تل أبيب؟

أم أن إسرائيل، ببساطة، نسفت الاتفاق قبل أن يولد؟

 

مسرح التصعيد: أشهر من التوتر والغليان

الهجوم الإسرائيلي الأخير لا يمكن فصله عن سلسلة من التوترات المتصاعدة خلال الأسابيع الماضية. فقد تبادلت طهران وتل أبيب الضربات في مياه الخليج، وخاضتا مواجهات خفية في الفضاء السيبراني، وعمليات بالطائرات المسيّرة. وفي حين أعلنت إسرائيل مؤخرًا إحباط محاولة لنقل تكنولوجيا نووية من طهران إلى حزب الله، ردّت إيران بتحذيرات نارية بأن “أي عدوان على أراضيها سيقابَل برد ساحق يطال تل أبيب ذاتها“.

 

الوساطة الأمريكية.. جهود تصطدم بجدران من الشكوك

رغم التصريحات الرنانة، تبدو الوساطة الأمريكية محاصرة بكمّ هائل من العقبات، أبرزها: انعدام الثقة التام بين الطرفين، إذ يرى كل منهما أن الآخر لا يفهم سوى لغة الإلغاء، لا الحوار. كذلك فإن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، دفع طهران إلى وصف الوساطة بأنها “غطاء لشرعنة العدوان”، بينما تعتبر إسرائيل أن واشنطن “فقدت موثوقيتها” منذ انسحابها العسكري الجزئي من المنطقة. فضلا عن دور لاعبين دوليين آخرين مثل روسيا والصين، اللتين لا ترحبان بعودة أمريكية نشطة في أمن الخليج. بيد أن أهم معوقات اي وساطة أمريكية الانقسام داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفسها، بين جناح يقوده نتنياهو يتمسك بخيار الحرب، وآخر يسعى لتفادي مواجهة شاملة قد تخرج عن السيطرة.

 

إيران: صمت تكتيكي أم تمهيد لرد إقليمي؟

مصادر إعلامية مقرّبة من طهران أكدت لـ”الهدف” أن الصمت الرسمي الإيراني هو جزء من تكتيك مدروس “يرفض الانجرار إلى رد فعل فوري”. وأضافت أن القيادة الإيرانية “تُقيّم الضربة وتدرس الرد المناسب”، مع ترجيحات بأن يكون الرد غير مباشر، عبر ساحات النفوذ الإقليمية الممتدة من العراق إلى اليمن، ومن سوريا إلى لبنان.

 

لعبة النار لم تنتهِ بعد

بين ابتسامة ترامب في نيويورك ولهيب الصواريخ في طهران، تتجلى حقيقة واحدة: الوساطة الأمريكية ما تزال في مهدها، وصوت الحرب أعلى من همس التهدئة. فبينما يسوّق البيت الأبيض “إنجازًا وشيكًا”، تدفع المنطقة نحو مزيد من الاحتقان، في لعبة توازنات معقدة تُدار بدماء الأبرياء.

حتى إشعار آخر، تظل احتمالات الهدوء رهينة مزاج العسكر في تل أبيب، ورد فعل طهران الذي قد يأتي من حيث لا يُتوقع، ووسط كل ذلك، يقف الخليج والشرق الأوسط كله على خيط رفيع بين تسوية مرتعشة، وانفجار شامل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.