بيت السودان في إسبانيا.. من حلم جماعي إلى منارة تنبض بالحياة

مدريد: الهدف

في قلب العاصمة الإسبانية مدريد، ومنذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، زرعت بذور فكرة “بيت السودان” في تربة الحاجة الملحة لكيان يجمع شتات الجالية السودانية، ويعزز أواصرها، ويكون صوتها المنظم في ديار المهجر. هذه الفكرة، التي حلم بها أبناء السودان، تحولت إلى واقع ملموس في نوفمبر 1997، حينما اجتمع الرواد لوضع حجر الزاوية لمشروع مجتمعي طموح. أسفر الاجتماع التأسيسي عن ميلاد لجنة تمهيدية ضمّت ثمانية أعضاء، نُوط بها قيادة المسيرة لخمس سنوات تالية.

تطور ونمو: دستور جديد وطاقة شبابية متجددة

بعد سنوات من الجهود الدؤوبة، أثمر العمل عن إنجاز أول تعديل رسمي لدستور الجمعية في عام 2008، ليواكب القوانين الإسبانية ويُترجم إلى العربية لتيسير فهمه على كافة الأعضاء. وشهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في أعداد السودانيين الوافدين إلى إسبانيا، خاصة من فئة الشباب، الذين ضخوا طاقة متجددة في شرايين النشاط المجتمعي، فأحدثوا نقلة نوعية في البرامج والفعاليات، دافعين “بيت السودان” نحو آفاق أوسع من التفاعل المحلي والدولي.

دبلوماسية شعبية: من البرلمان الإسباني إلى هموم اللاجئين

لم يقف “بيت السودان” عند حدود العمل الاجتماعي، بل انطلق نحو العمل الميداني والشراكات الرسمية. ففي مبادرة بارزة، التقى ممثلون عن البيت أعضاء من البرلمان الإسباني ضمن مجموعة “سومار”. كان اللقاء فرصة لعرض المأساة الإنسانية التي تعيشها السودان جراء الحرب، وتسليط الضوء على المعضلات التي تواجه اللاجئين السودانيين في إسبانيا، وعلى رأسها صعوبة الحصول على مواعيد لتقديم طلبات الحماية الدولية، مما يحرمهم من أبسط الخدمات والدعم. نتج عن هذا اللقاء اتفاق على إعداد مذكرة تفصيلية للحكومة الإسبانية، تتضمن مطالب واضحة لتسهيل الإجراءات ودعم الشعب السوداني. واستجابت مجموعة “سومار” عبر لجنة التعاون الدولي بتقديم مقترح غير تشريعي للبرلمان، في خطوة يمكن أن تجعله ملزمًا للحكومة في حال إجازته.

احتفالات وخدمات: جذور وهوية في المهجر

تحولت الاحتفالات الدينية إلى مناسبات جامعة، ففي 7 يونيو 2025، احتفلت الجالية السودانية بمدريد بعيد الأضحى المبارك بفعالية جمعت السودانيين من مختلف المدن الإسبانية. كان اللقاء ملتقى لتعزيز الروابط الاجتماعية والهوية الثقافية، وتخللته فقرات تراثية وموسيقية عكست صورة الجالية كسفيرة للثقافة السودانية.

في إطار مسؤوليته المجتمعية، نظّمت اللجنة التنفيذية لـ”بيت السودان” الخدمات القنصلية الأساسية، لا سيما ما يتعلق بإصدار الرقم الوطني، الجوازات، وشهادات الميلاد. وتم إعداد استمارة إلكترونية لحصر أعداد المحتاجين لهذه الخدمات، تمهيدًا لتنسيق زيارة فريق قنصلي من السفارة السودانية في بروكسل إلى مدريد.

الفن والرياضة: جسور للتعبير والاندماج

لم يغِب الفن عن المشهد، فقد دأب “بيت السودان” على إحياء المناسبات الوطنية كذكرى الاستقلال وثورة ديسمبر من خلال عروض موسيقية ومهرجانات. وفي أبريل الماضي، أقيم حفل فني خيري بمبادرة من الفنان شيخ الدين وعدد من الفنانين والفنانات، وُجّه ريعه لدعم المتضررين من الحرب في السودان، في مبادرة تجسد التقاء الفن بالواجب الإنساني.

كما أولت اللجنة التنفيذية اهتمامًا خاصًا بالرياضة كجسر للاندماج وتوطيد العلاقات مع الجاليات الأخرى. وخاض فريق الجالية السودانية مباريات ودية مع فرق تمثل الجاليات الأفغانية والسنغالية والصينية، بالإضافة إلى فريق اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين (CEAR). تهدف هذه المبادرات إلى تعريف المجتمع المحلي بالسودان وقضاياه، من خلال لغة الرياضة العالمية.

منصة للوعي والانتماء: دعوة إلى المشاركة

في ظل الحرب الدائرة في السودان وتزايد معاناة النازحين واللاجئين، يسعى “بيت السودان” ليتجاوز كونه مجرد كيان اجتماعي، ليصبح منصة تعبّر عن صوت السودانيين، وتعمل على تعزيز الوعي، وصون التراث، وبناء جسور الانتماء. يدعو البيت كل السودانيين في إسبانيا للانخراط في هذا المشروع الجماعي، من خلال المشاركة والدعم والمساهمة في رسم صورة حضارية وإنسانية تعكس أصالة السودانيين في المهاجر.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.