
عزيز نيسين
كاتب من تركيا
في أحد الأزمنة وأحد البلدان، كان هناك مدير ناجح لمخزن غلال. ذات يوم، وجد المدير نفسه في ورطة، فقد احتلت الفئران المخزن. بدأت المأكولات تتناقص، وقرضت الفئران الجبن والخبز.
لم يجلس المدير مكتوف الأيدي أبدًا. حارب الفئران بكل ما أوتي من قوة، لكنه رغم كل ما بذله، لم يكسب الحرب. الصابون وقطع الجبن كانت تتناقص يومًا بعد يوم، والملابس أصبحت مثقبة ومهترئة، حتى أن أعشاش الفئران بُنيت داخل أكياس الطحين. لم تكتفِ الفئران بالتهام المأكولات وقرض الملبوسات وقضم الجبن والسجق، بل راحت تسن أسنانها وأظافرها بالجلود والأحذية والخشب.
استمر المدير في حربه مع الفئران دون هوادة. وضع أقوى أنواع السموم في كل زاوية، لكنه لم يستفد شيئًا. جمع مدير المخزن أفضل أنواع القطط وأطلقها في المخزن ليلًا. في الصباح، وجد وبر القطط المسكينة وبقايا عظامها. لم تستطع القطط مجابهة الفئران، ولم تقتلها أقوى السموم.
بدأ المدير الناجح بزرع أفخاخ كبيرة. وصار يقع بعض الفئران فيها، لكن إذا وقعت خمسة فئران في الفخ ليلًا، فإنها تلد ما لا يقل عن عشرين أو ثلاثين فأرًا في النهار.
فكر المدير واهتدى إلى طريقة فريدة: صنع ثلاثة أقفاص جديدة. رمى في كل منها ما كان يقع من الفئران الحية في الفخ. امتلأ كل قفص بالفئران. لم يقدم للفئران طعامًا أو أي شيء.
بقيت الفئران على حافة الموت لثلاثة أيام، ثم خمسة أيام. اختارت الفئران الأضعف بينها، قطعتها، أكلتها، وأشبعت بطونها. اعتادت على طعم الفئران. بعد وقت، جاعت مجددًا، فبدأت تتصارع. وبنتيجة صراعها الدامي هذا، تسلطت على واحدة منها، خنقتها، قطعتها، وأكلتها. وهكذا أخذ عدد الفئران يتناقص مع مرور الأيام. بقيت الفأرة الأكبر، صاحبة العزم الأقوى التي اعتادت على طعم لحم الفئران، بينما تتقطع الفئران الضعيفة وتؤكل.
تحولت الأقفاص المملوءة بالفئران إلى ساحات حرب حقيقية. بقي في كل قفص من الأقفاص الثلاثة ثلاث إلى خمس فئران. لذلك، صارت كل فأرة من الفئران من أجل حماية نفسها تستغل فترة نوم أو سهو الفأرة الأخرى لتنقض عليها وتخنقها وتقطعها. وأكثر من ذلك، صارت تتحد فأرتان أو ثلاث في كل قفص ويهاجمن أخرى، وتلك المتحدة في المطاف الأخير تتحين الفرصة ليأكل بعضها الآخر.
أخيرًا، بقي في كل قفص فأرة واحدة: الأقوى، الأذكى، الأكبر، والأكثر صمودًا.
عندما بقي في كل قفص فأرة واحدة، فتح الرجل أبواب القفص وأطلق الفئران الثلاثة داخل المخزن، واحدة تلو الأخرى. بدأت تلك الفئران الثلاث، الضخمة، المغذاة، المتوحشة، المعتادة على أكل بنات جنسها، تنقض على فئران المخزن مهما بلغ عددها، تخنقها وتقطعها وتلتهمها. ولكونها توحشت، صارت تأكل ما يؤكل من الفئران وتقتل الباقي من أجل حماية نفسها كي لا تخنقها وتلتهمها الفئران الأخريات. وهكذا، وخلال مدة قصيرة، تخلص المخزن المذكور من الفئران.
حكمة القصة
الحكاية انتهت هنا. سؤال أوجهه لكم أيها القراء الأعزاء: كيف خطر في بال المدير الناجح هذا المكر الذي لا يخطر ببال الشيطان؟
الجواب: لأن مدير المخزن كان الفأر الأقوى الذي بقي سالمًا بنتيجة تآكل أبناء جنسه. لقد أصبح مديرًا لذلك المخزن عن طريق التحايل والتخلص من أصدقائه. طبق على الفئران أسلوب حياته الخاص، الناجح من وجهة نظره.
هكذا تفعل الدول الغنية، تجعل الدول الفقيرة تحارب نفسها عن طريق إعطاء كل طائفة أو فئة سلاحًا لكي يقضوا على بعض وتصبح الساحة خالية للاستيلاء على ثروات البلاد.
Leave a Reply