
بقلم: نزيهة البكري
قيل: لا يستطيع الإنسان مطلقًا أن يتوقف عن الحلم، الحلم غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء الجسد..
الحلم طيف لحياة نريد أن نعيشها حقيقة، أساس نبني عليه آمالًا وطموحات كافية لتكون وقودًا ينير عتمة الظلام.. فمن منا لا يحلم؟ ربما بالوظيفة الأفضل، والمكانة الاجتماعية المرموقة، والأسرة السعيدة، والتطور الشخصي والمهني، وغيرها الكثير من الأحلام، التي لا تعترف بلون أو عمر أو هوية.
الدراسات البحثية أشارت إلى أن الأحلام هي أساس النجاح والتقدم، وأنها ضرورية لتحقيق الطموحات الشخصية.
إذًا فالأحلام خارطة الطريق نحو واقع أفضل، يرضي التطلعات الشخصية، ويشبع رغبة كل شخص في الحصول على ما يتمناه، مهما كان الطريق إلى تلك الأحلام وعرًا وشاقًا.
مؤخرًا.. وتحت وطأة الظروف الرعناء، التي يواجهها الشباب على وجه الخصوص، الملاحظ أن الأحلام قد بدأت تتلاشى، وتدهسها عجلات الزمن.. الكثير من الشباب يجدون أنفسهم عاجزين أمامها، لم يعد باستطاعتهم الحلم، وجل ما يتمنونه الحد الأدنى من العيش والبقاء على قيد الحياة..
فالفرص قليلة على كافة المستويات، والخوف من التقلبات المتسارعة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا قد حدت من تطلعات الكثير من الشباب ليركنوا في أماكنهم، رافضين التحرك خطوة لينطلقوا نحو أحلامهم بثقة، هذه الظروف المختلفة تلقي بظلالها على المشهد العام، وتخنق بيارق الأمل دون رحمة.
لقد باتت الأحلام ضربًا من الأمل الكاذب، حتى أن من يحلم يشك الناس في سلامة عقله، وقد يتهم بالتفاؤل.. فمع هذا الواقع المرير أصبح الحلم جنون، وصار التفاؤل تهمة. وكلما ضاقت الأحوال تلاشت الأحلام وفترت الهمم، وسيطر على النسبة الأكبر من الشباب خيار واحد هو الهجرة، مهما اختلفت الطرق وكثرت المخاطر، فالأغلبية يرون في الدول الأوروبية والامريكية بوتقة أحلامهم، أما الوطن فهو المكان، الذي يقتلهم ببطء.
إحصائيات الأمم المتحدة تؤكد أن هناك أكثر من 270 مليون مهاجر غير شرعي، أغلبهم من فئة الشباب ممن يعني الحلم لديهم السفر.. والسفر عندهم حلم. من هزم أمام أسعار تذاكر الطيران أو خاف أمواج البحر نحو مدن الأحلام اختار المخدرات لتكون طريقًا مختصرًا يحلق خلاله إلى حيث يريد، دون حراك، عبر بوابة الوهم، لقد تراوحت نسبة المدمنين على المخدرات في العالم العربي بين 7 إلى 10%، والتقارير تشير إلى أن معظم هؤلاء المدمنين من فئة الشباب، هذه النسبة المرتفعة تعكس تأثيرات سلبية على الصحة العامة وعلى مستقبل المجتمعات في الوطن العربي. أما المحطمين ممن لم يختاروا السفر ولم يستسلموا لطريق المخدرات فقد تملكهم اليأس وباتوا قيد الروتين، بلا روح وإبداع، أو محاولات للخروج من نفق تلبية الاحتياجات الأساسية مقابل السجن في العمل أو الوظيفة أو قيد البطالة، الذي قلما يفلت منه شاب. الشباب اليوم أمام تحدي كبير، فهم مطالبون بالحلم والسعي لتحقيقه، وعلى الرغم من التطور التكنولوجي المتسارع لكنهم عاجزين عن المواكبة، وعلى الرغم من التغيرات الديموغرافية والتزعزع السياسي والاستلاب الثقافي وغيرها يصعب عليهم حتمية الوصول..
الحقيقة المثبتة ألا مستحيل تحت الشمس، فلننظر للعديد من القصص الناجحة لشباب اجتازوا عراقيل الزمن وتصدعات الواقع ووصلوا نحو ضفاف الأحلام بأمان، بعضهم رواد أعمال وبعضهم فنانيين ورياضيين.. استطاعوا ببراعة تحقيق أحلامهم. فالقدوة ماثلة، والتحديات معروفة والطرق ممكنة، فقط ينقصنا الإيمان والإصرار والعزيمة، ليحقق كل من يريد ما يريد، ويظل هنالك بصيص ضوء.. فالحلم وقود وعزيمة وطاقة، تدفع من يملكها إلى الأمام. تحقيق الأحلام لا يتوقف عند المال، بل يتطلب عدة خطوات والتزامات صارمة مثل ضرورة تحديد الهدف والإيمان بهذا الهدف، والعمل الجاد لتحقيقه، والسعي للتعلم والتطور المستمر والمرونة، مرونة التعامل، مرونة التقبل، مرونة العطاء، ومرونة الطرق والأساليب الممكنة للوصول إلى الحلم..
ليضع كل منا خطة وتصور لحلمه، ولنبحث عن داعمين، يساندوننا معنويًا وماديًا إذا تطلب الأمر، وأخيرًا يجب الالتزام بالهدف، وإلا ظلت الأحلام مجرد وهم لذيذ يحتل مخيلة الرائي. الاستسلام ليس حلًا، والهروب ليس حلًا.. مطاردة الأحلام والتمسك بها يفتح لطريق نحو تحقيقها.
يحتاج فقط الأيمان بخالقنا وأنفسنا وأحلامنا
وبأننا فعلًا نستطيع.
Leave a Reply