
بقلم: عبدالله رزق أبو سيمازة
لو لم يكن الشيخ محمد ود الرضي شاعرًا، لربما كان – بأثر رجعي – أحد فناني عصر النهضة، الذين عُنوا باستنطاق الجمال في الجسد البشري العاري، الذي كان ملهمًا للفنانين منذ الإغريق، منذ خروج فينوس من البحر.
ثمة امرأة متجردة ما، في تمثال فينوس، سقط عنها النصيف، قبل مولد النابغة الذبياني، أو على وشك السقوط. في تمثال الحرية، كما في لوحة يوجين دولاكروا: “الحرية تقود الشعوب”، وفي أفرودايت، التي تخبئ في ثيابها، عشتار.
عادة ما يشار إلى خلفية الشاعر ود الرضي، وثقافته الدينية، عند النظر إلى شعره، خصوصًا قصيدته الذائعة الصيت: (أحرموني ولا تحرموني سنة الإسلام السلام)، التي يقول فيها: من تعاطى المكروه عمدًا غير شك يتعاطى الحرام..
غير أن ذلك الأشعار الذائع، قد يغفل التنبيه لمصادر أخرى لثقافة ود الرضي الجمالية، فاللوحة، التي رسمها شعرًا، للمتجردة التاريخية، ضمن أوضاع مختلفة: (الطابقة البوخة) و(المتحننة، أو الطابقة الحنة)، تكشف عن براعته في التصوير، وبالأصح في التخييل المبدع. فقد نُسب إليه، وهو يؤكد على دور المخيِّلة، في صوره الشعرية، أنه استلهم وصف فتاة في إحدى قصائده، من أثر قدمها على الأرض.
فالمتجردة، الطابقة البوخة، تكاد تكون صورة مستعارة من النابغة، القائل: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته، واتقتنا باليد
بينما يصف ود الرضي هذه المتجردة في وضع مختلف، وهي تنهض من (حفرة الدخان)، وهي صورة تتسم بالأصالة، والتجذر في الحياة اليومية السودانية، كما في حالة المتحننة أو الطابقة الحنة: فيقول في الأولى، التي هي من أشهر رميات أغنية الحقيبة:
طابق البوخة قام نـدا يهتـّف
نــام مــن الـدوخــة
إيده عاقبـاه جدلـة مملوخلـة
لي معالق الجوف موسة مجلوخـة
وفي المتجردة المتحننة، يقول:
دايــر أشـوفو غـافل
ودايـر أشـوفو جـازع
محنن، دون قنله
وحدو، وتوبو واقع
يـتـغطى بــي سـواعده
ويحنو كـأنه واجـع….
ويلتجي بي مرافقه
وأطراف المضاجع!
ومع الانتباه، عرضًا، لقوله “يتغطى بسواعده”، الذي ينحو فيه نحو النابغة، في قوله: “واتقتنا باليد”، فإنه في هذه اللوحة الشعرية، ربما يقترب الشاعر كثيرًا، وهو يرسم بالكلمات لوحة “المتجردة المتحننة”، من الفنان الإسباني، فرانسيسكو غويا، وهو يصف – من ناحيته – بلغة الضوء واللون، “ماجا العارية”، في لوحة شهيرة وصفت، في حينها، بأنها لم “تضايق السلطات الكنسية، وتدغدغ الجمهور، فحسب، وإنما وسعت، أيضًا، حسب ويكيبيديا، أفق الفن في ذلك الوقت”. وهو، للمفارقة، ما لم يُعتقد بأن فعلته، لوحة “ماجا الكاسية”، للفنان نفسه. في هذا السياق، وفي إطاره الجمالي، يمكن الاستنتاج، أيضًا، أن الشيخ ود الرضي، قد أسهم، كذلك، في “توسيع أفق الفن في زمانه”.
وقد عرضت دور السينما في السودان، في سبعينيات القرن الماضي، فيلم “ماجا العارية”، المستوحى من قصة علاقة الفنان مع ملهمته، من بطولة آفا غاردنر وأنطوني فرانسيوسا.
Leave a Reply