كلمات نازحة: عسكرة رياض الأطفال

بقلم: لميس عربي

تسعى بعض إدارات رياض الأطفال الخاصة بولاية نهر النيل لكسب ود الجيش، لأنهم يدركون أن الحرب ومن سعوا إليها كان هدفهم محاربة ثورة ديسمبر وترسيخ ثقافة “العسكرة” قسريًا في أذهان الأطفال الذين عانوا من ويلات حربهم. هذا يتم من خلال إدخال مفاهيم العسكرية في رياض الأطفال قبل أن تنضج عقولهم الغضة ويصبحوا شبابًا، فقد يثورون عليهم بحراك يقتلعهم مثلما اقتلعتهم ثورة ديسمبر المجيدة.

لقد وعى “العساكر” ومن شايعهم الدرس، ويسعون لتشكيل عقلية تتقبلهم كأبطال حررونا من الدعم السريع صنيعتهم. هذا الحديث ليس محض افتراء، فما حدث بولاية نهر النيل في إحدى قرى بربر خير دليل. تفاجأت أمهات الأطفال الذين أجبرتهم الحرب على النزوح إلى ولاية نهر النيل بمدينة بربر، ممن ألحقوا أطفالهم برياض أطفال خاصة، عقب انتهاء العام الدراسي والاستعداد لتخريج أول دفعة من روضة “ك” (الاسم غير واضح في النص الأصلي) باختيار المعلمات مجموعة من الأطفال (أولاد وبنات) لتقديم فقرات منوعة في حفل التخريج. وقد عملن بروفات لفقرات متنوعة، من بينها فقرة عسكرية، وقمن باستجلاب خبير عسكري لتدريب الأطفال وفقًا لحديث أمهات الأطفال وتدريبهم عسكريًا عليها لحفل التخريج. تفاجأت الأمهات بحضور أطفالهم منهكين عقب البروفة الأولى.

الأمر الذي استهجنته بعض الأسر واعتبرته غير مناسب للأطفال في مرحلة التمهيدي، خاصة وأن أغلب الأطفال كانوا من الذين نزحوا بسبب الحرب التي تسببت لهم في شروخ نفسية، وأصبح الزي النظامي بمثابة ذكرى مخيفة. فكيف لمعلمات تربويات أن يقترحن فقرة مارش عسكري أو أي كان الاسم ضمن حفل تخريج، وتقول بعض كلمات الفقرة المصحوبة بموسيقى: “وصونا قالوا لينا الشردة عيب وشينة، الراجل الحمش فوق الجمر بمشي” بمعنى عندما تكون في معركة الكرامة إذا شرد الجندي من ميدان المعركة (الشردة شينة) ويجب عليكم المسير على الجمر.

تخيل طفلًا عمره أربعة إلى خمسة أعوام يردد عبارات قاسية كالمشي على الجمر! فبالله عليكم أي تربية هذه؟ استغلوا ظروف الحرب التي أجبرت العديد من الأسر قسريًا على الانتقال إلى الولايات، مما أدى إلى “برجلة” حياتهم وصار أمر ترتيبها كما كانت شبه مستحيل. فألحق بعضهم أطفاله بمدارس حكومية واختار آخرون مدارس ورياض أطفال خاصة على أمل أن يحصل أطفالهم على محتوى دراسي يؤهلهم لمستقبل أفضل، ولكن هيهات..