إيران وإسرائيل.. تصعيد محسوب أم بداية اضطراب إقليمي واسع؟

بقلم: وائل عبدالخالق مالك
التصعيد العسكري المتبادل بين إيران وإسرائيل لا يعكس فقط صراعًا جيوسياسيًا تقليديًا، بل يمثل فرصة لتأمل تطور أساليب الحروب الحديثة، واستكشاف موقع منطقتنا في سلم التقدم التكنولوجي والعسكري العالمي.
هذا التوتر يكشف بوضوح التباين بين الطرفين في الاستراتيجية، الوسائل، والتأثير السياسي والعسكري، سواء على مستوى تحقيق الأهداف أو على مستوى استهداف البنية التحتية والمدنيين.

دقة إسرائيلية مقابل رمزية إيرانية
الهجمات الإسرائيلية الأخيرة تميزت بالدقة والتخطيط السري، واعتمدت على عمليات اغتيال وانتقاء أهداف استراتيجية داخل إيران.
منذ سنوات، تبنّت إسرائيل تكتيك الضربات الدقيقة المحدودة، بما في ذلك الهجمات السيبرانية مثل “Stuxnet”، وعمليات استهداف شخصيات مؤثرة في البرنامج النووي.
هذا النهج يجسّد مفهوم حروب الجيل الخامس، التي ترتكز على المعلومات والاستخبارات والتأثير الإدراكي قبل العسكري.

في المقابل، جاءت الردود الإيرانية على شكل قصف صاروخي مباشر بالطائرات المسيّرة، استُهدف فيه العمق الإسرائيلي بشكل رمزي أكثر من كونه فعّالًا.
معظم الهجمات الإيرانية تم اعتراضها، ولم تُسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح أو البنية العسكرية. الرسالة كانت سياسية واستعراضية، تعكس حرص طهران على إظهار حضورها دون الانزلاق إلى حرب شاملة.

نتائج غير متكافئة
بينما تمكنت الضربات الإسرائيلية من تحقيق خسائر حقيقية لإيران على صعيد الموارد البشرية والبنية التحتية النووية، فإن نتائج الضربات الإيرانية بقيت محدودة التأثير.
إسرائيل استخدمت توقيتًا محسوبًا بدقة، لتضرب حين تكون طهران منشغلة سياسيًا أو منفتحة دبلوماسيًا. أما إيران، فقد اختارت الإعلان عن هجومها مسبقًا، ما أفرغ الكثير من تأثيره العسكري.

الشرعية الدولية وموازين التأييد
في ظل دعم غربي متزايد، تنفّذ إسرائيل ضرباتها دون أن تواجه عزلًا دوليًا أو ضغوطًا كبيرة، إذ يُنظر إليها على أنها ترد على تهديد نووي محتمل.
في المقابل، تخسر إيران الكثير من الزخم السياسي في كل مواجهة مفتوحة، وتواجه انتقادات داخلية حول فعالية ردّها العسكري والاستخباراتي.

نحو حرب متعددة الجبهات؟
من المحتمل أن يتجه التصعيد نحو حرب غير متماثلة إذا ما فعّلت إيران وكلاءها الإقليميين مثل حزب الله، والحوثيين، والميليشيات في العراق وسوريا.
حينها، قد تردّ إسرائيل بعمليات أوسع داخل الأراضي السورية واللبنانية، وحتى العمق الإيراني.
وقد نشهد سيناريو آخر يتمثل في ضربات رمزية متبادلة، يتجنب فيها الطرفان المواجهة المباشرة الشاملة، لكن خطر الانزلاق يبقى قائمًا.

البُعد الدولي: واشنطن في قلب المعادلة
الدور الأميركي لا يمكن تجاهله، خاصة بعد أن شاركت الدفاعات الأميركية في اعتراض الهجمات الإيرانية الأخيرة.
أي استهداف مباشر للقواعد الأميركية قد يدفع واشنطن للرد بقوة، وهو ما يفتح باب تصعيد إقليمي واسع النطاق.

تداعيات محتملة على المنطقة
1. لبنان: قد يكون أول من يتأثر في حال مواجهة مفتوحة مع حزب الله، وسط انهيار اقتصادي هش.

2. سوريا: مرشحة لمزيد من الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع الميليشيات المدعومة من إيران.

3. الخليج العربي: يواجه احتمال تعرض القواعد الأميركية لهجمات، فضلًا عن تهديدات مباشرة لمضيق هرمز وباب المندب، مما يعرّض أمن الطاقة العالمي للخطر.

4. العراق: ساحة صراع مفتوحة بين النفوذ الإيراني والوجود الأميركي، مع احتمالات لتصعيد داخلي.

5. العالم: أسعار النفط مرشحة للارتفاع، وسلاسل التوريد مهددة، مما يعيد شبح الاضطراب الاقتصادي الدولي.

محاور تتشكل بصمت
قد نشهد تبلور محورين واضحين:

محور إيراني: يضم طهران، حزب الله، الحوثيين، وميليشيات العراق وسوريا.

محور مضاد: تقوده إسرائيل، بدعم من بعض دول الخليج، وبمساندة غربية فاعلة.

خاتمة: صراع معقّد وخيارات محدودة
التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل ليس مجرد تبادل ضربات، بل يمثل نقلة نوعية في التوتر الإقليمي، يختلط فيه العسكري بالاستخباراتي، والرمزي بالمباشر.
في ظل غياب إرادة حقيقية للتهدئة، ووجود أطراف غير منضبطة على أطراف المشهد، فإن الشرق الأوسط يقف عند حافة مرحلة جديدة من الاضطراب، تتعدد فيها الجبهات وتضيق فيها خيارات السلام.

غدًا نواصل…
قراءة أعمق في تداعيات هذا التصعيد على دول الخليج.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.