رد على خطاب البعث والوطنية والخيال المريض: نحو خطاب سياسي بناء بدلاً من التشويه والتنمر

بقلم: أمجد أحمد السيد

تأكيداً على أهمية الحوار السياسي البناء، وتوضيحاً لبعض النقاط المثارة، أود تناول الأطروحات الأخيرة التي استخدمت لغة لا تعكس خلافاً سياسياً صحياً، بل تتجه نحو خطاب شخصي قد يتضمن تشويهاً أو تنمراً سياسياً.

إن وصف حزب سياسي بأنه “دكان ارتزاق” أو تسفيه رموز وطنية مثل البروفيسور صديق تاور و”أمهات جبال النوبة” الذين حظي بدعمهم، لا يمكن اعتباره نقداً محترماً. هو نهج لا يتناسب مع من يدّعون الحديث عن السيادة والكرامة.

موقف حزب البعث من المليشيات والتدخل الأجنبي

إن الحديث عن أن حزب البعث “يملك مشروعاً للتحكم عبر الجنجويد” هو افتراء سياسي واضح. حزب البعث كان من أوائل من أدان ظاهرة المليشيات بشكل واضح منذ العام 2014، وحذر من خطورة تسليحها وتكوين جيش موازٍ، وقد نُشر ذلك في بيانات رسمية. كما دعا البعث إلى تفكيك قوات الدعم السريع وإعادة بناء الجيش على أسس مهنية ووطنية قبل أن تتحول هذه المطالب إلى شعارات يتبناها آخرون.

الاتهام بالعمالة والارتهان للأجنبي دون دليل هو أسلوب يستخدمه من يفتقرون إلى موقف مبدئي ضد كل أشكال التدخل الأجنبي. السؤال هنا: هل يستطيع من يهاجم حزب البعث اليوم أن يعلن موقفه الواضح من التدخل المصري أو الروسي أو الإماراتي أو التركي أو غيره؟ أم أن معايير السيادة والوطنية تُقاس فقط بحسب من نختلف معهم أيديولوجياً؟

هوية السودان وموقف البعث

اتهام حزب البعث بأنه “يستبطن سردية أمة عربية واحدة لإقصاء بقية مكونات السودان” هو تحريف مقصود ومنقوص. حزب البعث، كما صاغ مشروعه السوداني منذ السبعينيات، لا يتبنى عروبة عنصرية أو قسرية. بل يتحدث عن السودان كهوية وطنية مستقلة ومتعددة الجذور، وهذا منشور في وثائقه ومكرس فعلياً في ممارساته وتحالفاته ومواقف رموزه.

من المستغرب أن يزايد علينا البعض بعقدة العرق والهويات، وهم أنفسهم من يتبنون خطابات إقصائية لا تقل عنصرية باسم “الهامش”، مع استعداء واضح لمكون واسع من الشعب السوداني.

التهكم على البروفيسور صديق تاور و”أمهات جبال النوبة” يشير إلى أن الخلاف لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يتورم بعقدة مناطقية وعنصرية معكوسة. البروفيسور تاور وصل إلى مجلس السيادة لأنه شخصية وطنية نزيهة، مثقفة وأكاديمية، وهو ابن بيئته ويمثل قيمة أخلاقية وفكرية قبل أن يكون تمثيلاً جغرافياً. هل المطلوب من أبناء جبال النوبة ألا يكون لهم تمثيل إلا بموافقة “اليسار المميز” أو “الليبرالي النخبوي”؟

الوطنية الحقيقية والواقع الحالي

سؤال بسيط للذين يصفون غيرهم بـ”المتواطئين” أو “العملاء”: من الذي يبرر غزواً عسكرياً أو يستدعي الدعم الجوي من دول الجوار أو يزور القواعد الأجنبية لطلب الدعم؟ ومن الذي يصمت عن التواجد العسكري الأجنبي طالما يخدم مصالحه في الحرب؟

إن الشتائم لا تصنع موقفاً وطنياً، والمزايدات لا تبني مشروعاً ديمقراطياً. نحن نمتلك وثائقنا ومواقفنا وامتدادنا الشعبي. أما الآخرون، فكل ما لديهم الآن هو مشاهدة للخراب وصناعة سرديات سامة والشماتة على الوطن الجريح.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.