كيف يرى حزب البعث اتفاقية سيداو

كيف يرى حزب البعث اتفاقية سيداو

بقلم: تغريد عبده

من المعلوم إن حزب البعث يناضل من أجل تحقيق أهداف الوحدة والحرية والاشتراكية.. من تلك الأهداف نبدأ قبل التفصيل بالقول إن حزب البعث يقف موقف ايجابي من الاتفاقية بوصفها، بشكل مجمل، تعمل على كفالة حقوق المرأة على مستويات عديدة.

لكن تطبيق الاتفاقية يحتاج مواكبة ومواءمة مع البيئة السودانية، ويتطلب إجراءات وإصلاحات قانونية ومؤسسية، وهذا يتطلب عمل متكامل.

بيد أن الاتفاقية تناولت في المادة الخامسة تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية، أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.

من المهم ادراك أن الاتفاقية ليست مصممة لدولة معينة، إنما هي لكل دول العالم، لكفالة حقوق النساء في كل العالم، وبالتالي كل دولة عليها أن تطبق مبادئ إنصاف المرأة بالصورة التي تناسبها. فالموارد والقدرات قد تقف حائل دون تطبيق كل شروط الاتفاقية، لذا الاتفاقية تنص على تقديم العون والدعم الفني للدول الأعضاء في الاتفاقية.

إن النساء في دول العالم الثالث يعانين كثيراً من الاضطهاد والعنف والتجاهل والاقصاء، وبالتالي هن الاحوج لتطبيق المبادئ الدولية الخاصة بحماية حقوق المرأة، وهذا الوضع يشمل المرأة في السودان، ومثلها المرأة في أفريقيا والوطن العربي.

نحن ندعو للتحرر من التخلف والرجعية، وننادي بالنظر للمرأة ومتطلباتها بصورة ثورية تتجاوز الواقع. إذا رفضنا سيداو، إذن علينا أن ننادي ونأتي بما هو أفضل من سيداو، لكن من العار والعيب أن ننظر ونتفرج على واقعنا، الذي وصفناه بالتخلف، دون أن نعمل أي شيء.

إن ثورة ديسمبر طرحت مبادئ قوية، من بينها العدالة، وهذه العدالة كلمة كبيرة، تتجاوز العدالة القضائية، وتستوعب العدالة الاجتماعية، وبالتالي تشمل العدالة تجاه المرأة، وكذلك الحال بالنسبة لشعار السلام والحرية. فالسلام يشمل السلام المجتمعي، ويتجاوز السلام في مواجهة النزاعات والحروب. والحرية تعني ضمن ما تعني الحرية من التخلف والتبعية والرجعية والاستغلال.

وبكل تلك المعاني نجد أن تلك الشعارات تستهدف نماء المرأة في سياق اجتماعي متكامل. وتحقيق ذلك النماء يحتاج تحرك سريع حتى نضمن أن تكون المرأة مساهمة بفعالية في التحول الديمقراطي وإنجاز السلام الشامل في السودان.

ولضمان تجسيد قيم الانصاف والعدالة تجاه المرأة، لن نحتاج فقط إلى سن تشريعات ولوائح لصالح المرأة؛ ولكن المطلوب اجراء عملية جراحية للمجتمع كله بهدف اصلاحه، لتكون المساواة واحترام حقوق المرأة نتيجة حتمية لتطور المجتمع، وليس فقط تطور المرأة. نقول ذلك وفي ذهننا إن واقع المرأة تحكمه عادات وتقاليد، وثقافات مجتمعية متخلفة، ويتم توظيف الأديان للابقاء على تلك القيم الرجعية.

إن المنهج البعثي يحدثنا، عن ضرورة انتهاج منهج علمي جدلي تاريخي، للوصول لأهدافنا في الوحدة والحرية والاشتراكية. وفي ذلك إننا لا نحقق تلك الأهداف لبعض اعضاء المجتمع، وننكرها على البقية، بمعنى آخر إننا في حزب البعث لا ننكر على المرأة حقها في النضال من أجل تحقيق أهدافها، من خلال بناء تلك الأهداف الثلاثة في المجتمع، والتي بالضرورة تؤدي إلى الوصول إلى أهداف المرأة في الانعتاق من سجون التخلف والتبعية من خلال إنجاز الاشتراكية.

إذن حزب البعث ينادي بتطبيق نظرة أكثر شمولية وأوسع، ولا تعمل على تجزئة المجتمع إلى رجال ونساء. البعث يرى إن الرجال والنساء ضحايا للواقع المتخلف.

ويناضل حزبنا لإحداث (انقلاب) بمعنى أن يهاجر من هذا الواقع نحو الوحدة والحرية والاشتراكية، من خلال انتهاج فعل مغاير ومختلف عما عرفه المجتمع. إذن البعث كفكر لا ينتمي لهذا الواقع، أي لا يدعمه، ولا يؤيده، برغم إنه من نتاج هذا الواقع.

إذن هو لا يقر الانتهاكات والعنف والاقصاء والإنكار الذي تعاني منه المرأة (باعتباره واقع متخلف).

والانقلاب يعني أن نفكر بصورة علمية وجدلية وأن نتجاوز هذا الواقع المريض نحو مجتمع صحي معافى تجد فيه المرأة حقوقها وتتمتع بوضعيتها الكاملة كمواطنة.

وهذا الهدف لن يتحقق بين ليلة وضحاها وإنما مسيرة ونضال يستمر إلى حين نصل إلى فجر الوحدة والحرية والاشتراكية.

في هذا السياق، الحزب لا يتصدى لسيداو بالانكار، وإنما يعتبرها آلية من اليات العمل من أجل تحقيق (المساواة للمرأة)، وقد تكون جيدة بالمقارنة لظروف الواقع، لكنها ليست (الكمال).

جاءت سيداو – مثل معظم الاتفاقيات الحديثة – من رحم الفكر الليبرالي الرأسمالي، والذي هو عكس الفكر الاشتراكي القومي الذي ينظر لمسالة تنمية المرأة في سياق اجتماعي متكامل، وليست مجتزأة. ولكن الحزب هو حزب جدلي، يؤمن بمسالة الحوار المنطقي بين التاريخ والعلم، وفي ذلك يكون الحزب هو حزب واقعي، ويتعامل بنظرية (ما لا يمكن ادراكه كله، لا يجب إنكار جزئه)، أي إننا نتعاطى مع الممكن والمتاح إلى حين أن نبلغ كامل اهدافنا.

فنحن لا نؤجل حركتنا وتفاعلنا مع محيطنا، إلى أن نبلغ الاشتراكية المنشودة، واذا فعلنا كذلك نكون غير جدليين وغير واقعيين.

وسيداو ليست انتاجنا كبعثيين، ولكن فيها ما يدعو إليه البعث تجاه القضاء على مظاهر العبودية والاقصاء والعنف تجاه المرأة. وكذلك هي ليست من نتاج مجتمع اشتراكي، ولكنها تتضمن مبادئ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت من أفكار المدرسة الاشتراكية في الحقوق.

وكما قلنا في جزء من هذا الحديث، ان سيداو لا تعبر عن بلد معين، ولا عن قومية معينة، أو دين معين، سيداو تعبير عن التطور الذي شهدته مسألة الحقوق والحريات، وبالتالي لا أتصور ان يكون هناك مجتمع من المجتمعات يجد أن سيداو تعبر عنه مئة بالمئة، ونحن في السودان كذلك نجد أن هناك بعض الجوانب في الاتفاقية لا أظن بأن المجتمع جاهز لاستيعابها، وبالتالي غير مدرك لطرائق تطبيقها.

ولكن بالنسبة للمجتمعات النامية (غير المتقدمة) كما هو حال السودان، سيداو هي مناسبة أو محطة يتحرك منها المجتمع من واقع التخلف، نحو واقع أفضل مما كانوا عليه دون الحاجة للادعاء بانها سدرة منتهى نضالات شعوب العالم نحو التحرر من التخلف والتبعية والاضطهاد، بصورة أشمل مما تنادي به سيداو.