نساء على خط النار: كيف أعادت الح.رب تشكيل الأسرة السودانية؟

صحيفة الهدف

سمية الطيب

منذ عقود طويلة ظلّت الأسرة السودانية تقوم على منظومة اجتماعية واضحة، يتقدّم فيها الرجل باعتباره صاحب القرار والمسؤول الأول عن شؤون البيت، بينما تُعهد للمرأة أدوار الرعاية والتربية وتماسك العلاقات العائلية. وكانت هذه المنظومة تنشأ باحترام الأب وهيبة الأخ الأكبر، وتتشكّل داخلها ملامح السلطة التقليدية التي تُقيّد حركة المرأة وتمنح الرجل موقع القيادة حتى في حال غياب المعرفة أو ضعف الوعي.

إلا أنّ الح.رب الأخيرة قلبت هذه المعادلة رأساً على عقب. فقد وجد آلاف الرجال أنفسهم خارج سوق العمل، بعضهم انقطع عن أسرهم تحت ضغط النزوح والتهجير، وآخرون فقدوا القدرة على توفير أبسط مقومات الحياة. وفي المقابل، تحملت المرأة – الأم والأخت والزوجة – مسؤوليات لم تكن جزءاً من دورها التقليدي، فأصبحت العائل الوحيد، والحارس، والمربّي، والمدير الفعلي لشؤون الأسرة في الداخل والخارج.

اضطرت كثير من النساء إلى الانتقال خارج البلاد مع أطفالهن، والاستقرار في مدن جديدة لا يعرفن فيها أحداً. تعيش الأم في شقة صغيرة، تعمل لساعات طويلة، تخرج قبل الفجر وتعود أحياناً بعد حلول الليل، بينما يُترك الأطفال داخل المنزل بلا رقابة كافية، نتيجة تكدّس الأعباء وغياب أي دعم أسري. هذا الواقع القاسي تسبب في مآسٍ مؤلمة؛ أطفال فقدوا حياتهم في حوادث كان يمكن تفاديها، وآخرون ضاعوا في المدن المزدحمة ولم يعودوا، فيما صار كثيرون بلا تعليم أو رعاية نفسية، فتلقّفهم الشارع أو تقاليد جديدة لم يألفوها، فوقع بعضهم في فخ الانحراف أو تعاطي المخدرات.

وفي خلفية هذا المشهد، تبرز إشكالية أعمق: تدني مستوى التعليم لدى قطاعات واسعة من الرجال، مما يجعل النظرة الدونية للمرأة أكثر رسوخاً، ويُسهِم في إدامة سلوكيات العنف والاضطهاد والتنمر، حتى في ظل الظروف التي تُثبت فيها المرأة أنها العمود الحقيقي لبقاء الأسرة واستمرارها.

إنّ الأزمة الحالية كشفت هشاشة البنية الاجتماعية القديمة، وأكدت أن تمكين المرأة لا يعني فقط دعمها، بل أيضاً إعادة تأهيل الرجل وتعليمه وتوعيته ليكون شريكاً مسؤولاً لا عبئاً إضافياً. كما بات من الضروري وجود قوانين حازمة تحمي المرأة من كل أشكال الاعتداء والتمييز، وتؤسس لمجتمع أكثر عدلاً وتوازناً.

لقد غيّرت الح.رب ملامح الأسرة السودانية، لكنها كشفت أيضاً قدرة المرأة المذهلة على الصمود، وتحمل ما عجز عنه كثيرون. وربما يكون هذا التحول بدايةً لإعادة تعريف الأدوار داخل البيت السوداني، بما يضمن مستقبلاً أكثر وعياً وإنسانية للأجيال القادمة.

#المرأة_السودانية #الأسرة_السودانية #نساء_على_خط_النار #الحرب_وتغيير_الأدوار #صمود_المرأة #تمكين_المرأة_والرجل #النزوح_والتهجير #ملف_المرأة_والمجتمع

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.