لماذا يخشى بعض الرجال المرأة المثقفة؟

صحيفة الهدف

زكريا نمر

يحب الرجل المثقف المرأة المثقفة لأنها تمنحه مستوى مختلفاً من الحضور الإنساني، وجمالاً يتجاوز المظهر، ورفقة تشبه حواره الداخلي، وتناغماً روحياً يجعل العلاقة امتداداً لفكرين يكتبان المعنى معاً. فالتقارب الفكري ليس رفاهية، بل شرطاً مهماً لدى من يعرفون أن العاطفة وحدها لا تبني علاقة، وأن الجمال بلا وعي مجرد زينة بلا روح. فالمرأة المثقفة بالنسبة للرجل الواعي هي بيت للوعي، وهدوء للمعنى، ومرفأ للعقل، يعود إليها عندما يريد أن يشعر بأن العالم ما زال قابلاً للفهم والتأويل.

ورغم هذا الإعجاب العميق، يتراجع الكثير من الرجال عن الارتباط بامرأة تفوقهم علماً وثقافة. والسبب الحقيقي ليس المرأة نفسها، بل ثقافة ذكورية راسخة تجعل الرجل يعتقد أن التفوق يجب أن يكون له، وأن المرأة القوية معرفياً قد تهدد مكانته التقليدية. ولذلك يتحول الإعجاب إلى مسافة، لا لأنه لا يريدها، بل لأنه لم يُربَّ على قبول الندية الفكرية في العلاقة. هنا لا يكون التردد ضعفاً فردياً، بل انعكاساً لبنية اجتماعية ترى أن الرجل يجب أن يقود، وأن المرأة التي تسأل وتحلل وتفكر هي امرأة يصعب احتواؤها في المفهوم التقليدي للحب.

أما فكرة ضعف الرجل أمام المرأة التي يحبها، فهي غالباً ليست ضعفاً بالمعنى الحقيقي. فهو يمنحها رقة المحب، يدللها، يمنحها الأمان، ويطمئنها على مكانتها في قلبه. وما يبدو في ظاهره ضعفاً هو في الحقيقة نضج عاطفي وثقة، نوع من الحنو والاهتمام، ورغبة في مشاركة الروح. والكثير من النساء لا يُردن رجلاً ضعيفاً، بل رجلاً يفهم المشاعر ويحاور بعقله ويعرف كيف يقرأ وجدانها. أما ما يظهره الرجل من ليونة أمام المرأة التي يحبها، فهو ليس تنازلاً، بل شعرية إنسانية ولطف العاشق ومداعبة الغزل الذكوري التي لا يلتقطها إلا قلب يعرف التفاصيل الصغيرة.

الفكرة القائلة بأن الرجل يحب المرأة المثقفة ويضعف أمامها ليست حقيقة مطلقة، بل صورة مثالية تتشكل في مجتمعات تنتقل من التقليدية إلى الحداثة. لكن الواقع يكشف مزيجاً من الإعجاب والخوف. فبعض الرجال يعجبون بها ويخشون في الوقت نفسه أن تسحب منهم دور القيادة الذي رسخته الثقافة. كما أن بعضهم يختزل المرأة المثقفة في عقلها، وينسى أنها إنسان كامل يحتاج إلى الحب والدفء. وهناك أيضاً من يفضل العلاقات السهلة التي لا تحتاج جهداً فكرياً، ويعتبر أن المرأة الواعية تتطلب تواصلاً أعمق ومسؤولية أكبر. وتبقى الصور النمطية حول المرأة المثقفة قائمة: امرأة صعبة، كثيرة التفكير، لا يعجبها شيء بسهولة. وهذه ليست سلبيات، بل انعكاس لسيدة تملك صوتاً ورؤية ولا تقبل أن تكون ظلاً.

الرجل الذي يحب المرأة المثقفة حقاً هو الذي يرى في وعيها جمالاً، وفي أسئلتها عمقاً، وفي حضورها فرصة للنمو معاً. أما الذي يخاف منها، فهو يخاف من معنى أكبر: امرأة لا يمكن السيطرة عليها ولا يمكن حصرها داخل قوالب جاهزة. الحب الحقيقي لا يصنع ضعفاً، بل يرفع الطرفين معاً ويبني علاقة قائمة على الاحترام والوعي والاختيار الحر.

#المرأة_المثقفة #الرجل_والمرأة #الندية_الفكرية #ثقافة_ذكورية #الصور_النمطية #الحب_والوعي #ملف_المرأة_والمجتمع #زكريا_نمر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.