انتخابات إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل… لماذا يجب أن نقول لا؟

صحيفة الهدف

#الهدف_آراء حرة

د سلمى نايل

يظل مشروع الجزيرة والمناقل واحدًا من أعظم الإنجازات الوطنية في تاريخ السودان الحديث، ليس فقط لأنه أكبر مشروع مروي في إفريقيا، بل لأنه كان ولا يزال شريانًا اقتصاديًا قامت عليه حياة ملايين الأسر.

عشرات الآلاف من المزارعين، والعمال، والمهنيين، والحرفيين، والخدمات المساندة، ارتبطت حياتهم وكرامتهم بهذا المشروع، الذي شكّل الرافعة الأساسية للاقتصاد الوطني لعقود طويلة.

على مدى تاريخه، كان المشروع نموذجًا للعمل الجماعي المنتج، ومؤسسة اقتصادية واجتماعية تؤثر في كل بيت سوداني، وتبني أمنًا غذائيًا، وتحرك الأسواق، وتصنع الاستقرار.

ولذلك فإن أي خطوة تُتخذ بشأنه هي قضية وطنية، وليست مجرد شأن إداري عابر.

من المؤسف أن المشروع تعرض خلال السنوات الماضية لسلسلة من السياسات الفاشلة التي:

حوّلت القرار إلى يد فئات محدودة،

همّشت المزارع الحقيقي،

قيدت دوره وحقوقه،

فتحت الباب أمام الاحتكار،

وأضعفت البنية المؤسسية، التي كانت تحمي تنوع المصلحة وتوازنها.

وبدلًا من تطوير المشروع وتوسيع المشاركة فيه، جرى تضييق دائرة المستفيدين، وتحويل القطاع من فضاء عام يخدم الجميع إلى مجال تتحكم فيه قوى لا علاقة لها بمعاناة المزارع ولا بقيم الإنتاج.

-الانتخابات المطروحة… خطوة في الاتجاه الخطأ

اليوم تَظهر دعوات لإقامة انتخابات لإدارة مشروع الجزيرة في وقت يواجه فيه المزارعون:

التهجير،

-فقدان الأمن.

-تدمير الممتلكات.

-انهيار الخدمات.

وانعدام البيئة المناسبة لأي عملية ديمقراطية.

هذه الدعوة ليست سوى محاولة لتمرير مخططات جاهزة مسبقًا، في غياب أصحاب الشأن الحقيقيين، الذين يفترض أن تُدار الانتخابات بوجودهم وبحريتهم الكاملة لا تحت الضغط والمعاناة.

فالانتخابات في ظل الظروف الحالية لا تمثل إرادة المزارع، بل تعطي شرعية شكلية لمن يريد السيطرة على المشروع وإدارته وفق مصالحه الخاصة.

لماذا المقاطعة واجب؟

لأن التمثيل الحقيقي لا يُنتزع من الناس بالقهر، ولا يُصنع في ظل الفوضى، ولا يُفرض على من يعيشون التهجير وفقدان الحواكير وتشتت الأسر.

المقاطعة هنا ليست موقفًا سياسيًا، بل هي:

-رفض للوصاية.

-دفاع عن حق المزارع في تقرير مصيره بنفسه.

-رسالة بأن إدارة مشروع الجزيرة ليست سلعة تُمنح لمن يحضر أولاً.

وتنبيه بأن أي خطوة تتجاوز إرادة المزارعين ستزيد من تمزيق المشروع لا إصلاحه.

ما الذي يحتاجه المشروع فعلًا؟

يحتاج مشروع الجزيرة إلى:

-بيئة مستقرة.

-إدارة عادلة مستقلة.

-إصلاح جذري يحفظ الملكية.

-إشراك المزارعين في القرار.

-إعادة بناء الهياكل التي كانت تحمي حقهم وتحافظ على مصالحهم.

-وإلى عودة المشروع لدوره الذي عرفه العالم:

قوة إنتاج حقيقية، وسندًا للمزارع البسيط، ورافعة للاقتصاد الوطني.

خلاصة القول

إن أي انتخابات تُجرى في ظل غياب أصحاب الأرض الحقيقيين، وبدون ضمانات عادلة، ووسط أوضاع إنسانية قاهرة، ليست انتخابات… بل إجراء شكلي يراد به تمرير ما لا يمكن تمريره في الظروف الطبيعية.

والتمثيل الشرعي لا يُؤخذ من المزارع، بل يُمنح من المزارع… وفي الوقت، الذي يختاره هو، لا في الوقت، الذي تختاره الجهات، التي تريد التحكم في المشروع ومستقبله.

مشروع الجزيرة أكبر من أن يُدار بقرارات فوقية

وأعظم من أن يكون بوابة لمصالح ضيقة

وأقدس من أن يُختطف باسم “الإدارة” أو “الإصلاح”.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.