عثمان إدريس أبو راس… حين يصبح الإنسان موقفًا

صحيفة الهدف

✍🏽خالد ضياء الدين

✨ قليلون أولئك، الذين يختارون الطريق الأصعب، الطريق، الذي لا يمهّده غير الصدق والإيمان بقيمة الإنسان.

لكن الأستاذ المناضل/ عثمان إدريس أبو راس كان دائمًا من هذا الطراز النادر؛ من الرجال الذين لا يبحثون عن الضوء، بل يتحركون داخله.

في الميادين كان يقف كتفًا بكتف مع الشباب، يتقاسم معهم دخان البمبان، ويعرف جيدًا أن الحرية لا تُقطف من بعيد. كان وجهه مألوفًا في الصفوف الأولى، حيث لا يصل إلا من يؤمن أن الحياة موقف قبل أن تكون حظا.

وحين يغادر الميدان، لا يغادره الموقف. يجلس أمام مسؤول دولي أو مبعوث أممي بذات الثبات، بذات الانحياز للفقراء، بذات اللغة، التي تأتي من جرح الوطن لا من شهوة السلطة.

وعندما يرهقه الجسد من الركض خلف الأحلام، التي تتعثر بالرصاص، يجلس على الأرض، لا استسلامًا، بل استراحة مح-ارب يعرف أن الطريق أطول من خطواته، لكنه مستمر مهما طال.

لم يكن يومًا رجلًا عابرًا في الذاكرة الجماعية.

كان ذاكرة بحد ذاته:

ذاكرة الثبات.

ذاكرة المحبة، التي لا تطلب مقابلًا.

ذاكرة البيوت المفتوحة للناس، والقلوب، التي لا تحفظ ضغينة، والنفس، التي زهدت ما تزاحم عليه الآخرون.

تشهد له بيوت الأشباح بأنه لم يتراجع، وأن صوته بقى مستقيمًا مثل شجرة لا تعرف الانحناء.

تشهد له المعتقلات بأنه لم يتاجر بالخوف، ولم يقايض الحق بالسلامة.

لهذا لا نختم الكلام عنه، بل نختم به:

برجل ما زال يقف مثل مئذنة عالية، ليذكرنا أن الوطن فكرة تستحق الحياة من أجلها، وأن الحرية لا تُهدى، تُنتزع.

سلامٌ عليك يا أستاذ عثمان، وعلى كل المواقف، التي جعلتك كما أنت:

صوتًا لا يلين، وقلبًا لا يخذل، وأملًا لا يموت.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.