ياسر عوض: وداعًا لمن كان للروح سكنًا

صحيفة الهدف

 حنان محمد بلال

أنعي من كان للروح أنيسًا لا يغيب، وللقلب حبيبًا يحنو عليه مهما اشتدّت العواصف، وصديقًا تلتجئ إليه الأيام حين تتعب. أنعي من كان للظل رفيقًا، وللحياة معنى، وللأمان بابًا مشرعًا.. أنعي اليد التي كانت تُمسك يدي بثبات، والقلب الذي كان يُرمّم شروخي دون أن ينطق، والابتسامة التي كانت تُعيدني إلى نفسي. أنعي روحي التي فارقتني بلا استئذان، وتركتني وحيدة في مواجهة ليلٍ طويل، لا يهدأ فيه الوجع ولا تخفّ فيه وطأة الحنين. أنعي نصفي الآخر، رفيق دربي، وتوأم روحي؛ ذاك الإنسان الذي لا يتكرّر.. وأعني تمامًا كلمة إنسان، بكل ما تحمل من نقاء وصدق ورفعة. وأعود لأسأل نفسي، كلما عجز الكلام: ماذا أنعي فيه؟ أأنعي طيبته التي كانت تتقدّم الجميع؟ أم بساطته التي لا تشبه بساطة أحد؟ أأنعي زهده في الدنيا، ذلك الزهد الذي كان يعلّمنا أن القيمة في المعنى لا في المظهر؟ أأنعي ضحكته التي كانت قادرة على أن تُطفئ في القلب كل حريق؟ أأنعي صفاء نيّته، وصدق محبته، وأدبه الجمّ، ورقّة حديثه التي كانت تنساب كبلسم على جراحنا؟ أم أنعي حكمته، ورجاحة عقله، وفكره الذي لم يكن يشبه إلا طهره؟ أأنعي براعته وإتقانه لكل ما يمت للفن بصلة، تلك الروح التي كانت ترى الجمال في الأشياء قبل أن نبصره نحن؟ وكلما حدّثت نفسي، أجدني أجيب: لا شيء مما قلت يكفي.. ولا كل البكاء يسع هذا الغياب. لا تستغربوا ولا تقولوا إني أبالغ؛ فأنا لا أبالغ، بل أحاول فقط أن أكتب بعضًا من الحقيقة. وهو كذلك، لأنه ياسر عوض.. الإنسان قبل الفنان، والقلب قبل الموهبة، والنبيل قبل كل شيء. كان بيته صدرًا مفتوحًا، وكان حضوره دفئًا، وكان رحيله كسرةً في القلب لا تندمل. غادر كما يغادر الطيبون دائمًا: بهدوء، دون ضجيج، تاركًا خلفه فراغًا يضيق به المكان. أسأل العلي القدير أن يتغمّده بواسع رحمته، ويجعل الجنة مستقرّه وداره، وأن يُنزل السكينة على قلب والدته، ويصبّر أبناءه، ويقوّينا جميعًا على هذا الفقد المرّ، وأن يجمعنا به في جنات النعيم حيث لا فراق ولا حزن ولا وجع. ولا نقول إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.

#ملف_الهدف_الثقافي #ياسر_عوض #حنان_محمد_بلال #رثاء #فقد #صديق_الروح #الإنسان_قبل_الفنان #نصف_الآخر

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.