كمال باشري
أدرك ياسر عوض أهمية الإعلام في تشكيل الوعي والمحافظة على الهوية، فترك بصمة واضحة خلال إدارته لقناة الخرطوم الفضائية، حيث مارس دوره بعين الشاعر وحسّ المخرج الوثائقي، وبمهنية عالية وعمق ثقافي وإيمانٍ بأهمية الشاشة ومحتواها الذي ينبغي أن يعكس التنوع الثقافي السوداني وتجربته الثرية. فكانت القناة منبرًا للمثقف والفنان والمواطن العادي، وشاهدًا على فترة مهمة من تاريخ الإعلام السوداني. كمخرجٍ وثائقي، اهتم ياسر عوض بمصداقية الصورة وعمق المضمون، وبقدرته الفريدة على الغوص في جوهر القضايا، متمسكًا بمنهج الناقد. فجاءت أفلامه معبّرةً عن إحساسه المرهف بالتاريخ والتراث السوداني. استخدم ياسر عوض الكاميرا كقلمٍ يكتب به عن الأمكنة والأزمنة والأشخاص، يوثّق للمستقبل، ويُحيي الذاكرة، ويبرهن أن الفن الوثائقي شهادةُ حقّ وتاريخٌ لا يمكن تبديله أو التشكيك فيه. ولعل الشاعرية التي سكنت روح ياسر عوض كانت المنبع الذي روى كل أدواره الأخرى. فقبل أن يكون مديرًا أو مخرجًا، كان شاعرًا يحمل في قلبه لغةً مرهفة وقدرةً فطرية على صياغة الجمال. كان الشعر بالنسبة له عدسةَ الرؤية التي يرى بها العالم، ومنها استمد شفافية التناول. وهذا الحس الشعري الرفيع، مضافًا إليه حنكةُ الناقد المتبصّر وكلمتُه الموزونة ورأيه المحكّم، كان عبارةً عن أدواته التي يزن بها الأعمال الفنية والإبداعية بميزان الشاعر الذي يعرف أسرار الكلمة، وبمنطق الناقد الذي يدرك أهمية البناء، ف أغنى المشهد الفكري، وبقي أثره الفني والأدبي حيًا بعد رحيله. ألف رحمة ومغفرة تتنزل على روحه الطاهرة.
#ملف_الهدف_الثقافي #ياسر_عوض #كمال_باشري #تجربة_إدارية_خاصة #قناة_الخرطوم #إخراج_وثائقي #شاعر_ومدير

Leave a Reply