سلام يا صاحبي!

صحيفة الهدف

مجدي علي

لم أواجه حُزناً أقسى من إعداد وتصميم هذا الملف عن ياسر عوض.. والحقيقة أنّي لم أذق وجعاً أشدَّ من فراق ياسر.. والحقيقة أيضًا أنني عاجز عن الكتابة عن ياسر عوض. قلتُ: سأكتب عنه مثلما تدفقت الحروف في هذا السفر حبًا وتقديرًا وعرفانًا.. لكن كلما هممتُ بكتابة سطر عنه، خذلتني يدي، وتسللت دمعة من حيث لا أحتسب. كنتُ أظن أن الكتابة تُعين، فإذا بها تزيدني عجزاً؛ وكنتُ أظن أن الحروف تواسي، فإذا بها ترتجف على أطراف أصابعي، ترفض الخروج.. يملأني الكلام حتى الاختناق، لكن لا حرف يقبل أن ينهض في حضرة الغياب. فكّرتُ أن أستميحكم عذرًا لأستعير من كل مقال بعضاً مما كتبتم عن ياسر، علّ حروفكم تسند حزني، أو تعينني على قول ما لا يُقال. لكن كل شهادةٍ قرأتها عنه كانت تطعن الذاكرة وتوقظ الوجع. حقاً.. “لقد كبرنا يا أمّي إلى الحدّ الذي صار لنا فيه أصدقاء ميتون!” كبرنا حتى ضاق هذا العالم بنا، ولم يعد مكاناً صالحاً للعيش كما كنّا نرجوه. وربما أدرك ياسر هذا مبكراً، ففاجأنا بالرحيل، وتركنا نتلمّس أثره في الهواء، وصدى صوته بين السطور. عن ماذا أكتب؟ عن صديقٍ كان مشوارنا معًا مشوار عُمرٍ، وحياة طويلة، وتفاصيل قدر الدنيا؟ تفاصيل امتدّت من مدني إلى الخرطوم، إلى بغداد.. ثم الدوحة، وآآه لو كنت أعلم يا صديقي أنّ فيها الفراق لما دعوتك. تفاصيل وحكايات عشناها وكبرنا معها: قراية، وكورة، وكوتشينة، وغلاط، وشعر، وشغل، ومسرح، وأحلام بنيناها كغرفةٍ مضاءة في آخر الليل.. ومحبةٌ لم تنقطع.. عن ماذا أكتب، وياسر يملأ القلب والذاكرة كلها حتى كأننا لم نفترق؟ ربما كفاني الناس الشهادة على مآثرك، وهم يتحدثون عن وعيك ورجاحة عقلك ومعارفك المتنوعة، وعمق حكمتك، ومبدئيتك التي لم تزل، ونضالك الذي لم يعرف التراجع أو المهادنة.. وعلى التزامك بالقيم، وعلى دفاعك عن الحق، وعلى جرأتك في المواقف، وعلى إخلاصك لكل كلمة نطقتَ بها، وكل موقف اتخذتَه، وكل مشروع حملته إلى الأمام. وإن كان لي أن أضيف، فإني أشهد الله أني على كل ذلك من المعاصرين والشاهدين.. لم يكن ياسر مجرد صديق أو زميل، بل كان مشوار حياة، ومثالاً للعِشرة التي يصعب أن تُنسى. ياسر ليس سيرة تُختصر.. ولا غياباً يُقبل.. هو صفحةٌ كاملة من حياتنا انتُزعت فجأة، وظلّت أطرافها تنزّف كلما ذكرناه أو مرّ طيفه ببالنا. سلامٌ عليك يا صاحبي، وعزائي لأبنائك وأمك وزوجتك وأخواتك، ولكل رفاقك وأهلك وعارفي فضلك. سلامٌ عليك يا أجمل ما حملته الأيام من رفقةٍ وصدق، وسلامٌ على تلك الروح التي مضت، وتركت في القلب فراغاً لا يُردم.. ولا يُفسَّر.. ولا يُنسى. ألم أقل بدءًا إني عاجز عن الكتابة عنك!

#ملف_الهدف_الثقافي #ياسر_عوض #مجدي_علي #وجع_الفراق #رثاء_الأصدقاء #مشوار_عمر #الصديق_الراحل

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.