أمومةٌ لا تُستعار… بين رسالة المرأة ومحكّ الاستعانة بالعاملة المنزلية

صحيفة الهدف

مهما حاول البعض مجاراة موجات الحداثة، ومهما ارتفعت الأصوات المروِّجة لخطابات المساواة والاكتفاء بالبدائل، ستظل الحقيقة الأولى ثابتة:
المرأة وُهبت قلبًا يسع العالم، وحنانًا يشبه المعجزة، ورسالةً فطرية لا يمكن لغيرها حملها… رسالة الأمومة.

الأم ليست مجرد راعية لطفل؛ إنها الذاكرة الأولى للإنسان، وصوته الداخلي، والنبض الذي تتشكل منه ملامح شخصيته ومستقبل أحلامه. ولذلك لم يكن عبثًا أن يقول الشاعر:

الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتَها
أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ

نعم… تغيّر الزمن، وتغيّرت الأدوار، وبرزت المرأة بقوة في الحياة العامة؛ في الطب والهندسة والإعلام والسياسة والفنون، وأثبتت جدارةً تُحترم وتُقدّر، حتى أصبحت شريكًا فاعلًا في بناء المجتمع وإدارة مؤسساته.
لكن الحقيقة التي لا يغيّرها التطور ولا يُلغيها الانشغال، هي أن الأمومة ليست دورًا جانبيًا، بل هي الدور الجوهري الذي تتفرّع منه كل الأدوار الأخرى.

حين يغيب حضن الأم…

قد تنشغل المرأة خلف طموحاتها ومسيرتها المهنية، وربما لا تشعر في البداية بحجم الفجوة التي تُترك في نفس طفلٍ حُرم من قربها. لكن السنوات الأولى ليست مجرد وقت يمرّ، إنها المرحلة التي يتكوّن فيها نظام الطفل العاطفي، وثقته بنفسه، وقدرته على التواصل مع العالم.

فالطفل الذي ينشأ بعيدًا عن رائحة أمه وصوتها ولمستها، قد يواجه – دون أن ندري – قلقًا، انسحابًا اجتماعيًا، أو فراغًا عاطفيًا يظهر لاحقًا في سلوكه وعلاقاته.

العاملة المنزلية… عونٌ لا بديل

مهما كانت العاملة المنزلية محبة وأمينة ومتفانية، فهي لن تملك تلك الفطرة التي وُضعت في قلب الأم.
فالحنان لا يُؤدَّى بالتعليم، ولا يُكتسب بالمهنة.
إنه شيء خُلقت به المرأة، شيء يفيض منها دون تكلف، ويُخَلِّف أثرًا لا يستطيع أحدٌ تقليده.

لقد أنتج الاعتماد الكامل على المربيات ظواهر اجتماعية مؤلمة، منها:

* ضعف ارتباط الطفل بأمه وانجذابه العاطفي لشخص آخر.
* فقدان الهوية الثقافية واللغوية للأطفال الذين تربّوا على يد عاملات من ثقافات مختلفة.
* اكتساب سلوكيات غريبة عن بيئتهم ومجتمعهم.
* تفكك العلاقات الأسرية بسبب غياب الدفء بين أفراد الأسرة.

إنها ليست مجرد خدمة منزلية… إنها علاقة تمسّ جوهر بناء الإنسان.

التوازن… مفتاح النجاح

لا أحد يطالب المرأة بأن تتخلى عن أحلامها أو طموحاتها، فالعمل قيمة إنسانية كبرى، وهو حق لا ينتقص منه أحد.
لكن الحكمة تكمن في إدارة الأدوار، لا في إلغائها.
وفي التوازن، لا في التضحية الكاملة بأي جانب.

على الأم العاملة أن:

* تُعيد ترتيب أولوياتها وفق احتياجات أسرتها.
* تمنح أطفالها وقتًا نوعيًا لا يضاهيه شيء.
* تدرك أنّ نجاحها الحقيقي يبدأ من داخل بيتها، لا من خارجه فقط.
* تترك لمسؤولياتها المهنية مجالها، دون أن تترك للأمومة فراغًا لا يُملأ.

أعظم انتصارات المرأة… أبناؤها

من الجميل أن تصعد المرأة السلم الوظيفي، وأن تحقق إنجازاتها، وأن تُثبت ذاتها في المجتمع؛ ولكن أعظم إنجازٍ تحمله معها إلى الحياة هو إنسانٌ ربّته جيدًا.

فقوة المرأة ليست في صلابتها، بل في رقتها…
وليست في قدرتها على التحمل وحدها، بل في قدرتها على الاحتواء…
ولا في حضورها الخارجي، بل في دفئها الداخلي.

ختامًا…

لتكن العاملة المنزلية يدًا مساعدة، لا يدًا بديلة.
ولتظل الأم هي المصدر الأول للحب، والملجأ الأول للأمان، والقلب الذي تنبض به حياة البيت.

فبأمهاتٍ مدركاتٍ لرسالتهن تُبنى الأمم…
وبأمهاتٍ حكيماتٍ تُصان القيم…
وبأمهاتٍ حاضراتٍ تُصاغ ملامح المستقبل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.