دور المرأة السودانية في الحرب: مقاربة نفسية واجتماعية

د.جمال سر الختم
#ملف_المرأة_والمجتمع
مقدمة: شهد السودان منذ أبريل 2023 حربًا واسعة النطاق خلّفت آثارًا عميقة على البنية الاجتماعية والاقتصادية. وقد برزت المرأة السودانية خلال هذه الفترة بوصفها فاعلًا مركزيًا، إذ اضطلعت بأدوار متعددة شملت الإعالة، والإغاثة، والقيادة المجتمعية، والمشاركة في جهود السلام والعدالة. يستند هذا التقرير إلى تحليل نفسي واجتماعي مدعّم بنظريات علمية لقراءة سلوك المرأة ودورها خلال ظروف الصراع الاستثنائية.
أولًا: التحولات الاجتماعية ودور المرأة المعيلة
أدت الحرب إلى غياب نسبة كبيرة من الرجال بسبب الوفاة، أو المشاركة في القتال، أو الاعتقال، أو النزوح الداخلي والخارجي. وبذلك أصبحت المرأة المعيل الأساسي للأسر، وتحمّلت أدوارًا حيوية تمثلت في:
– توفير الغذاء والمسكن في بيئة شديدة الاضطراب.
– تحمّل المسؤوليات الاقتصادية منفردة.
– تقديم الدعم النفسي والتربوي للأطفال.
– الانخراط في مهن جديدة وغير مألوفة لهن قبل الحرب.
تفسير نظري:
– نظرية الدور الاجتماعي، إيغلي: تفسر انتقال المرأة من دور الرعاية المنزلي إلى الدور الإنتاجي نتيجة تغيّر السياق الاجتماعي وضغط الضرورة.
– نظرية الصمود النفسي: توضّح قدرة المرأة على التكيف مع الضغط الشديد وإعادة تنظيم حياتها لحماية الأسرة.
– نظرية الحاجات الإنسانية، ماسلو: تؤكد أن المرأة أعادت ترتيب أولوياتها لتأمين الحاجات الأساسية من أمن وبقاء وحماية قبل السعي إلى الاستقرار النفسي.
ثانيًا: المرأة في العمل الإنساني والإغاثي
أظهرت النساء السودانيات قدرة لافتة على إدارة المبادرات المجتمعية داخل مخيمات النزوح والمدن المتأثرة بالحرب، عبر:
– إنشاء مطابخ خيرية واسعة النطاق.
– تدريب نازحات أخريات على إدارة مطابخ ومبادرات مشابهة.
– تحويل المهارات التقليدية إلى خدمات إنسانية ذات أثر كبير.
– التطوع للعمل الطبي رغم القصف ونقص الموارد.
– الإسهام في استمرار عمل مستشفى أم درمان رغم الانهيار الصحي.
تفسير نظري:
– نظرية التعلم الاجتماعي، بندورا: المرأة تتصرف كنموذج إيجابي تنتقل مبادراته إلى الأخريات عبر الملاحظة.
– نظرية الإيثار الاجتماعي: تفسر الدوافع الإنسانية التي تدفع المرأة لتقديم خدمات مهدِّدة للحياة.
– نظرية الدافع Hull: التهديد الوجودي يدفع الأفراد للانخراط في أدوار غير مألوفة لحماية المحيط.
– نظرية الهوية الاجتماعية، تاجفيل: المشاركة الإغاثية تُفهم بوصفها دفاعًا عن هوية الجماعة وحماية المجتمع.
ثالثًا: قيادة المبادرات المجتمعية والمنظمات النسوية
ساهمت المبادرات النسوية في:
– دعم النازحات والنساء المعنّفات.
– ربط المجتمعات المحلية بالمنظمات الدولية.
– توفير الدعم النفسي والاجتماعي.
– رفع الوعي بحقوق النساء في النزاعات.
وتنشط أكثر من 60 منظمة نسوية في العمل بالشراكة مع الأمم المتحدة.
تفسير نظري:
نظرية التفاعل الرمزي، غوفمان: توضّح قدرة المرأة على إعادة تعريف صورتها الاجتماعية من “ضحية” إلى “قائدة”.
نظرية التضامن الاجتماعي، دوركايم: المبادرات النسوية ساهمت في خلق أشكال جديدة من التضامن وسط الانهيار العام.
رابعًا: المرأة وصنع السلام والعدالة الانتقالية
شاركت النساء في مسارات الحوار المجتمعي، وجمع البيانات حول الانتهاكات، وتعزيز قيم المصالحة.
تفسير نظري:
نظرية النوع الاجتماعي: تبرز ضرورة دمج منظور النوع الاجتماعي في عمليات السلام كي تكون شاملة ومستدامة.
مدرسة فرانكفورت، إريك فروم: تستدعي عمليات السلام تجاوز العنف البنيوي والبحث عن “الإنسانية المشتركة” كمدخل للاستقرار.
خامسًا: التحليل النفسي والاجتماعي لدور المرأة
تكشف أدوار المرأة خلال الحرب عن:
– تفعيل ميكانيزمات دفاعية (فرويد) مثل: التكيف، التسامي، وتوجيه الطاقة نحو العمل الإيجابي.
– إعادة تشكيل صورتها الذاتية بوصفها صانعة أمل لا ضحية.
– مواجهة الصدمات عبر آليات الصمود والمقاومة.
– تحولها إلى فاعل مركزي في شبكات الدعم الاجتماعي.
خاتمة
تؤكد الأدلة النفسية والاجتماعية أن المرأة السودانية خلال الحرب لم تكن مجرد ضحية، بل قوة فاعلة حافظت على تماسك المجتمع، وأسهمت في بقائه واستمراره رغم انهيار المؤسسات. إن تمكين النساء وإشراكهن في جهود السلام والعدالة الانتقالية ليس مطلبًا حقوقيًا فحسب، بل ضرورة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وإنسانية.
أبرز المراجع النظرية
مراجع علم النفس:
Abraham Maslow – Hierarchy of Needs –
Albert Bandura – Social Learning Theory –
Sigmund Freud – Psychoanalytic Theory –
Clark Hull – Drive Reduction Theory –
Ann Masten – Resilience Theory –
مراجع علم الاجتماع:
Émile Durkheim – Social Solidarity –
Erving Goffman – Symbolic Interactionism –
Tajfel & Turner – Social Identity Theory –
Alice Eagly – Social Role Theory –
Gender/Feminist Theory – Judith Butler, Nancy Fraser –