ظاهرة تجريم الضحية أو تحميلها مسؤولية الاغتصاب تُعد واحدة من أبشع أشكال العنف الرمزي. فالناجيات—والناجون—لا يواجهون صدمة الاعتداء فقط، بل يُحمَّلون ذنبًا لا علاقة لهم به، بينما يُترك الجاني في الظل أو يُبرَّر سلوكه بطرق مباشرة وغير مباشرة. وتزداد قسوة الظاهرة حين تكون الضحية امرأة أو طفلًا في مجتمع يفترض أنه يحمي الضعفاء.
نساء… يتحول الألم إلى محاكمة
في السودان، برزت قضية الصحفية الشابة التي تعرضت للاغتصاب على يد أفراد من جهاز الأمن في الخرطوم، وهي جريمة صادمة كشفت بشاعة العنف الجنسي المرتبط بسياقات السلطة والقمع. بدل أن يحظى الحادث بالتركيز على حجم الانتهاك وخطورته، وجد كثيرون الفرصة لتوجيه أسئلة ولوم للضحية، بدءًا من دوافع وجودها في المكان، وصولًا إلى محاولات تشويه سمعتها، في مشهد يعكس مدى تغلغل ثقافة لوم الضحية في الوعي العام.
هذه ليست حالة فردية؛ فكلما ظهرت قضية مشابهة، يتكرر الخطاب ذاته: “لماذا كانت هناك؟” أو “كيف خرجت وحدها؟”. كلمات تبدو بسيطة، لكنها تُعيد إنتاج المأساة، وتجعل الضحية في موقع الاتهام بدل موقع الدعم.
أطفال… حين تتحول البراءة إلى صدمة صامتة
الأطفال في السودان ليسوا بمنأى عن هذا الجحيم. في إحدى المدارس، تعرضت طفلة صغيرة للاغتصاب من قِبل أستاذها—الشخص الذي يفترض أن يكون حاميًا ومربيًا. الفاجعة لم تكن في الاعتداء وحده، بل في ردود الفعل الأولى التي حاولت التستر على الحادث “حفاظًا على سمعة المدرسة” أو خوفًا من الفضيحة، بينما تُركت الطفلة تعاني صدمة لا يحيط بها إلا الصمت.
وفي حالات عديدة في الأقاليم ومعسكرات النزوح، يتعرض الأطفال لاعتداءات مماثلة، لكن المجتمع يفضل الصمت و”الستر”، ما يُبقي الجناة بعيدين عن العدالة ويضاعف الألم النفسي للضحايا.
لماذا يتحول الضحايا إلى متهمين؟
يرى علم النفس الاجتماعي أن ظاهرة لوم الضحية مرتبطة بما يسمى “نظرية العالم العادل”؛ إذ يحاول الناس إقناع أنفسهم بأن الجريمة لا تحدث عشوائيًا، وأن الضحية كانت سببًا فيما حدث لها. غير أن هذه الفرضية المريحة نفسيًا تُعد ظلمًا مضاعفًا، لأنها تُخلي مسؤولية الجاني تمامًا.
كيف نواجه هذه المأساة؟
التأكيد أن الاغتصاب جريمة كاملة يتحمل مسؤوليتها الجاني وحده.
تدريب الشرطة والقضاء على التعامل المهني مع ضحايا العنف الجنسي.
حماية الأطفال في المدارس عبر رقابة فعالة وسياسات صارمة.
توفير دعم نفسي وقانوني مجاني وآمن للناجيات والناجين.
تشجيع الإعلام على تغطية القضايا دون وصم الضحايا.

Leave a Reply