علي الترياق
كاتب وسياسي يمني
قد أقدر على فهم أعقد المعادلات الرياضية إذا ما اجتهدت، لكن عبثٌ أن أفهم بعض الأشخاص والتناقض الذي يجلب الصداع. أشخاص تجلس معهم اليوم فيُخيَّل إليك أنهم من كبار رجال المال في العالم. يحدثك بثقة غير قابلة للاهتزاز عن شركات عقارية “لا يعلم بها أحد”، وعن أراضٍ مترامية الأطراف، ومحلات تجارية تنتظر فقط أن يُسلَّط عليها الضوء.
لا أصدق مثل هذه الأساطير، لكني أتفهم أن الواقع قد يضم قطعة صغيرة من الحقيقة، فربما يمتلك بعض المال أو أرضًا هنا وهناك.. في النهاية، هو، بقراءة منطقية، شخص متوسط الحال لا أكثر.
ثم يحدث أن تجلس معه في يوم آخر، فلا يكاد يشبه الرجل الذي كان بالأمس. ينقض كل ما قاله سابقًا، ويجعل من نفسه مسكينًا مفلسًا يُرثى لحاله، يغرقك بحكايات عن ديونٍ بدأت معه منذ طفولته، وعن نكسات متلاحقة جعلت حياته أشبه بخيمة مهددة بالسقوط في أي لحظة. لوهلةٍ، تتصور أنك أمام رجل مشرَّد لا يعرف له سقفًا يأويه.
وهنا يتولد السؤال: ما الذي يدفع إنسانًا واحدًا إلى هذا التأرجح الحاد بين “الثراء الفاحش” و”الفقر المدقع”؟ الحقيقة أن هذه الازدواجية ليست مجرد تناقض لغوي، بل نمط نفسي شائع لدى البعض، تدفعه دوافع متعددة:
– الحاجة إلى الاعتراف: البعض يختلق مجدًا ليشعر بأن وجوده مرئي.
– الخوف من الحسد أو الطمع: فيبالغ في فقره ليحمي نفسه من الناس.
– الهروب من المسؤوليات: إذ يلجأ إلى دور الضحية ليبتعد عن الالتزامات.
– عدم استقرار الهوية: فيعيش بين صورتين لا يستطيع اختيار إحداهما.
– بحث عن الاهتمام: سواء كان ذلك بالانبهار أو بالشفقة، المهم أن يكون محور الحديث.
إن من يعرض نفسه بهذه الصور المتناقضة، غالبًا لا يسعى لأن يفهمه الآخرون بقدر ما يسعى إلى أن يشعر هو بأنه موجود، مؤثر، أو حتى مظلوم. هو يقيم مسرحًا صغيرًا كل مرة، ويضع نفسه في الدور الذي يناسب لحظته، لا الواقع.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل نحن أمام شخص يعاني اضطرابًا داخليًا… أم أمام ممثل بارع يعيش على أطراف الحقيقة؟
أنت وحدك، يا من تجلس في قلب المتناقضين، من يدرك حجم الفجوة.
#ملف_الهدف_الثقافي

Leave a Reply