ما وراء الأكمة… ما وراءها

صحيفة الهدف

م عبدالمنعم مختار

#الهدف_ آراء حرة

منذ اندلاع الح-رب، أضحت بيانات «الرباعية» جزءًا من الضوضاء اليومية، التي تُبَثّ على مسامع السودانيين: اتصالات متكررة، عبارات مكرورة، وحرص معلن على «تنفيذ البيان» و«دفع العملية السياسية». غير أنّ ما يطفو على السطح ليس سوى موجٍ صغير يخفي تحته تيارات أعنف وأعمق؛ فخلف كل اتصال تُدار ملفات لا تُقال، ومساومات تُنسج همسًا بين العواصم الأربع.

في ظاهر المشهد، تبدو الرباعية كمن يتلو نصًّا محفوظًا عن التهدئة والالتزام. أمّا في باطنه، فالحوار يدور حول أكثر القضايا حساسية في مستقبل السودان: من يملك شرعية القرار العسكري؟ من يتصدر المرحلة الانتقالية؟ وكيف تُعاد صياغة السلطة دون انفجار جديد؟ هذه الأسئلة لا تُدوَّن في محاضر رسمية، لكنها تتحكم في كل كلمة تُقال أمام الكاميرات.

أحد أكثر الملفات تعقيدًا هو مصير القيادة العسكرية. فبين واشنطن والرياض والقاهرة وأبوظبي يتردّد السؤال ذاته: هل يبقى القائد الحالي لاعبًا رئيسيًا، أم يُعاد وضعه ضمن ترتيبات انتقالية محدودة؟ وما الحدّ الفاصل بين ضمان الاستقرار ومنع إعادة إنتاج الأزمة؟ ومن مفارقات المشهد أنّ سيناريوهات كانت تُعدّ ضربًا من الخيال أصبحت موضع نقاش جاد في غرف مغلقة.

ومثلما تُراجع الرباعية موقع القيادة، تُراجع كذلك موقع القوة. فملف الدعم الس-ريع، بامتداداته السياسية والعسكرية والقبلية، يشكل معضلة لا تحتمل التبسيط. يتحدث الجميع عن «جيش واحد»، لكن السؤال الحقيقي هو: كيف، ومتى، وبأي ضمانات يتم الدمج؟ وما مصير المناطق والنفوذ، التي أفرزتها الح-رب؟

وتبقى معركة البحر الأحمر، وإن غاب ذكرها في البيانات، محورًا لا يقل خطورة. فالساحل السوداني، في نظر العواصم الأربع، ليس جغرافيا فحسب، بل معبر مصالح واستراتيجيات: أمن قومي مصري، مشاريع سعودية ضخمة، نفوذ اقتصادي إماراتي، ورغبة أمريكية في قطع الطريق أمام منافسين دوليين.

غير أن كل هذه الاتصالات، على كثرتها، تُعالج ظاهر الأزمة لا جوهرها. فالسودان لن يستعيد عافيته باتفاقات تُعقد في غياب أهله، ولا بترتيبات أمنية تُفرض من خارج إرادته. والاستعانة بالموقف الدولي، وإن كانت ضرورة لا مهرب منها في عالم مترابط، لا تجعل من السودان جزيرة تحتاج إلى من يرشدها، بل دولة يملك شعبها وحده حق تحديد نوع وكيف الاستعانة بالخارج، وعلى أي قاعدة تُبنى تلك الشراكات.

واريد أن أخلص للقول أن

التجربة أثبتت أنّ الحل الناجع لا يأتي من فوق، بل من داخل البلاد، على أيدي «القوى الحيّة» التي لا تزال تؤمن بأن الوطن أكبر من أمراء الح-رب ورعاتهم. الحل في جبهة شعبية عريضة تعزل طرفي الصراع من أي سندٍ شعبي، وتدفع نحو:

وقف إطلاق نار، فتح ممرات إنسانية آمنة، وقف دائم للح-رب، جيش واحد، عودة الجيش للثكنات، حكم مدني كامل، فترة انتقالية قصيرة، ثم انتخابات حرة تُعيد الشرعية لأهلها.

ذلك هو ما وراء الأكمة… وما وراءها مستقبل وطن.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.