يتابع حزب البعث العربي الإشتراكي-تونس، ما تعيشه تونس اليوم من وضع سياسي دقيقً، تتداخل فيه القضايا السياسية بالقضائية، حيث طال أمد الملاحقات والمحاكمات التي شملت سياسيين معارضين وإعلاميين ونشطاء حتى كاد أن يكون السمة البارزة لهذه الحقبة التي تعيشها البلاد. المتهمون يصرّون على أنّ الملفات مرتبطة بحقّهم في التعبير والتنظّم، فيما تتهمهم النيابة العمومية ب”جرائم” خطيرة، من بينها “التآمر” على أمن الدولة و”التعامل” مع جهات أو سفارات أجنبية. وتغييب الحقيقة عن الشعب، فالروايات المتداولة ما تزال غير واضحة للرأي العام، ولا تتجاوز ما يُتداول على شبكات التواصل الاجتماعي، في غياب بيانات رسمية مفصَّلة أو كشف معمّق لجوانب هذه الملفات وتقديم ما يؤيد للرواية الرسمية بما ينهي الجدل والاضطراب الحاصل .
وتزداد وطأة هذا المشهد بسبب غياب المحكمة الدستورية التي نصّ عليها الدستور كضامن أساسي لتأويل القوانين وحماية الحقوق وتوازن السلطات. كما أنّ غياب المجلس الأعلى للقضاء منذ حلّه، واللجوء إلى “هياكل بديلة” أحدثتها السلطة التنفيذية، يثيران سؤالا كبيرا وجدلًا واسعًا حول استقلالية المنظومة القضائية وحيادها، وهو سؤال لم تقع الإجابة عليه وجدل لم يهدأ منذ سنتي 2021 و2022.
وتتعمّق الأزمة مع ما تصرّح به هياكل المحامين الجهوية والوطنية، والمنظمات الحقوقية، حول التضييق على حقوق الدفاع. ومع توسّع دائرة الإضراب عن الطعام الذي يلجأ إليه عدد من الموقوفين رفضًا لهذا التضييق وللخروقات في مسار محاكمتهم. ووسط هذا التوتر، تبدو السلطة مرتبكة، حذرة أو صامتة في أغلب الأحيان، ما يزيد من الضبابية والضغط على عائلات الموقوفين والمنظمات الحقوقية التي تتحدث عن خروقات مؤكدة لحقوق الاحتفاظ والإيقاف، وخاصة في ملف جوهر بن مبارك وآخرين.
إن حزبنا يرى أن هذه المعطيات مجتمعة تكشف حاجة متزايدة لإعادة بناء الثقة في مؤسسات العدالة. ويرى أن المدخل الطبيعي لأيّ إصلاح يبدأ بإرساء المحكمة الدستورية، وضمان استقلال القضاء، وتمكين المحامين من أداء دورهم دون تضييق، واحترام حقوق الموقوفين والمساجين وفق المعايير المنصوص عليها في القانون التونسي والمعاهدات الدولية سواء كانوا معارضة أو مواطنين عاديين ورجال اعمال. ويطالب بتسريع البتّ في القضايا واعتماد الشفافية في التواصل مع الرأي العام كضرورة ملحّة لإنهاء حالة الارتياب التي تخيّم على البلاد وونؤكد أنه لا يمكن في هذا الظروف التحجج بعدم كشف معطيات لملفات لازالت من انظار القضاء و لم بيت فيها .
إنّ استمرار هذا الوضع أصبح يثقل المشهد السياسي وينقل صورة سلبية عن واقع الحريات في تونس، ويشتّت الطاقات عن الأولويات الاجتماعية والاقتصادية.
إنّ حزبنا يطالب بإنهاء هذه الملفات بشكل قانوني، شفاف وعادل، وهذا ليس مجرّد مطلب حقوقي، بل شرط من شروط إعادة ترتيب الحياة العامة والانطلاق نحو مهام أكبر: بناء المؤسسات، استعادة الثقة في الدولة، والتفرغ لمعالجة القضايا التي تهمّ المواطن يوميًا.
ولا يفوتنا في سياق متّصل، تجاوز الجدل حول قانون المالية باعتباره نموذجًا للتناقض القائم بين الخطاب الرسمي والقدرة الفعلية على تنفيذ البرامج، بين النوايا والشعارات المعلنة من جهة وبين الخطط والقوانين المسطرة… فبدون استقرار مؤسسي وبدون قضاء مستقل وعادل، لن تُبنى سياسات عامة ناجعة ، ولن تستعيد الدولة فاعليتها ولا المواطن ثقته.
حزب البعث العربي الإشتراكي-تونس
13 نوفمبر 2025

Leave a Reply