حوار العدد: الكاتبة والصحفية الجزائرية سهيلة بورزق لـ”ملف الهدف الثقافي”:

صحيفة الهدف
  • الثقافة السودانية بنكهة إنسانية عميقة ومزيج من الحكمة الإفريقية والوجدان العربي
  • الثقافة ليست ترفًا.. هي شرط الوجود الإنساني حين تضيق بنا السياسة وتضطرب القيم
  • جذوري العربية ليست عبئًا، بل مصدر طاقة أستمد منها الإلهام

بين ضفّتي المتوسّط ونهر بوتوماك، تنسج الكاتبة والصحفية الجزائرية سهيلة بورزق تجربة ثقافية استثنائية في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث تدير مركزًا ثقافيًا نابضًا بالحياة يجمع بين الأدب والموسيقى والفن التشكيلي، واستعراض ونقد الروايات والمذكرات وكتب الفلسفة والخط العربي وفضاءات الحوار.

عرفها جمهور واسع على وسائل التواصل الاجتماعي بجرأتها في تناول قضايا الهوية والهجرة، وبنشاطها في دعم المبادرات الفنية العربية في المهجر. حضرت مراسيم وداع الفنان السوداني الراحل عبد الكريم الكابلي، وساندت التجارب المسرحية السودانية، كان آخرها عمل المخرجة تماضر شيخ الدين، وشكّلت حضورًا نابضًا في “ملف الهدف الثقافي”، ما يعكس عمق انتمائها للثقافة العربية واهتمامها ببناء الجسور بين المشرق والمغرب والمهجر. في هذا الحوار، نتوقف معها عند محطات من رحلتها وأسئلتها الكبرى عن الثقافة والإنسان.

حوار: عبد المنعم مختار

تعيشين بين الثقافة العربية والفضاء الأميركي، كيف استطعتِ أن تحافظي على جذورك العربية وتجعلي منها جسرًا للتواصل لا حاجزًا؟

لم أنظر يومًا إلى هويتي بوصفها جدارًا يفصلني عن الآخر، بل باعتبارها ضوءًا أعبُر به نحو العالم. جذوري العربية ليست عبئًا، بل مصدر طاقة داخلية أستمد منها الإلهام لأتواصل مع الآخر بثقة وتوازن. لقد حاولت دائمًا أن أجعل من حضوري في أمريكا امتدادًا لعمقٍ ثقافي ينتمي إلى الضاد، وفي الوقت نفسه منفتحًا على لغة العالم، لأن الجسور لا تُبنى من الحنين وحده، بل من القدرة على الإصغاء للآخر دون فقدان النغمة الأصلية في صوتنا.

مركزك الثقافي في واشنطن أصبح مساحة تجمع بين الفن والفكر.. ما الفكرة التي تقف وراء هذا المزج بين الغناء والرسم والكتب والنقاش؟

الفن والفكر في جوهرهما وجهان لعملة واحدة اسمها “الوعي”. منذ تأسيسي لبيت الثقافة والفنون في واشنطن، كنت أؤمن بأن الثقافة ليست قاعة صامتة للعرض، بل ساحة حوار حيّ بين الفنون، لأن اللوحة يمكن أن تُفكّر، والموسيقى يمكن أن تقول ما تعجز اللغة عن قوله. الفكرة هي أن نعيد الإنسان إلى مركز الفعل الثقافي، أن نكسر التجزئة التي تفصل الجمال عن الفكر، وأن نمنح لكل زائر تجربة تشبه عبورًا روحانيًا بين نغمةٍ وصورةٍ وكلمةٍ. هذا التداخل هو شكل من أشكال المقاومة الهادئة ضد التفاهة والاستهلاك السريع لكل ما هو جميل.

شهدناك حاضرة في وداع الفنان عبد الكريم الكابلي، وفي دعم المسرح السوداني مع تماضر شيخ الدين، وفي حضور دائم في “ملف الهدف الثقافي”، ما الذي يجذبك في التجربة الثقافية في السودان؟

الثقافة السودانية تمتلك نكهة إنسانية عميقة، مزيج من الحكمة الإفريقية والوجدان العربي، ومن الشعر الذي يتكئ على النيل والذاكرة. ما يجذبني فيها هو صدقها البريء واتساعها للتنوّع. في كل لقاء مع مبدع سوداني أشعر أني أقترب من جوهر إفريقيا، من نبضها الأول، من تلك الإنسانية التي تتجاوز الحدود السياسية لتلمس الوجدان الإنساني المشترك. حين ودّعت الفنان الكابلي، شعرت أني أودّع رمزًا للعروبة في أكثر صورها رحابة، وأن الفن الحقيقي هو الذي ينجو من الموت لأنه يسكن القلوب لا المسارح.

من موقعك كمثقفة عربية في المهجر، كيف تنظرين إلى الحرب في السودان؟ وما الذي يمكن أن يفعله المثقف المهاجر تجاه مآسي بلده؟

الحرب في السودان ليست جغرافيا بعيدة عنّا؛ إنها مرآة تكشف هشاشتنا الإنسانية جميعًا. أرى أن دور المثقف المهاجر لا يقتصر على الشجب أو البكاء، بل في بناء ذاكرة مضادة للنسيان. علينا أن نكتب، أن نُوثّق، أن نحافظ على الجمال من التلاشي، لأن الحروب لا تقتل الأجساد فقط، بل تحاول قتل الحكايات. المثقف المهاجر هو شاهد ومسؤول في آن واحد، مسؤول عن أن يمدّ خيط الضوء من المهجر إلى الوطن، ليذكّر الناس أن الثقافة يمكن أن تكون شفاءً مؤقتًا من قسوة العالم.

برأيك، هل يستطيع الفعل الثقافي، لا السياسي، أن يعيد للعرب في المهجر إحساسهم بالانتماء والدور؟ أم أن الثقافة صارت ترفًا في زمن الأزمات؟

الثقافة ليست ترفًا، بل شرط الوجود الإنساني. حين تضيق بنا السياسة وتضطرب القيم، تصبح الثقافة هي اللغة الأخيرة التي يمكن أن تُعيد ترتيب الفوضى. أؤمن أن الفعل الثقافي قادر على أن يعيد للعرب في المهجر إحساسهم بالانتماء، لأنه يمنحهم مرآة يرون فيها أجمل ما تبقّى منهم. العمل الثقافي هو مقاومة من نوع آخر، مقاومة ضد النسيان وضد الذوبان في الآخر. عبر الفن والموسيقى والكتابة يمكننا أن نحيا مرتين: مرة في الذاكرة، ومرة في الأثر الذي نتركه.

ما الذي يشغلك الآن على الصعيد الإنساني والثقافي؟

يشغلني الإنسان قبل كل شيء؛ أن نُعيد له صوته وسط الضجيج، وأن نمنح الفن وظيفة أخلاقية وجمالية في آنٍ واحد. أعمل الآن على مشاريع تُعيد الحوار بين الأجيال والثقافات، وتُقدّم الثقافة كأداة للتداوي لا للعرض فقط. أحلم بأن يكون “بيت الثقافة والفنون” بيتًا مفتوحًا لكل من يبحث عن معنى، عن كلمة، عن أغنية تُشبه قلبه. ما يشغلني هو أن نبقى صادقين مع ذواتنا، لأن الصدق في زمن السرعة هو أندر أشكال الجمال.

#ملف_الهدف_الثقافي #سهيلة_بورزق #الثقافة_السودانية #الوعي_والمقاومة #الثقافة_شرط_الوجود #المثقف_المهاجر #الحرب_والذاكرة #بيت_الثقافة_واشنطن #الوطن_في_المهجر #الحكمة_الإفريقية_والوجدان_العربي

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.