قراءة في وقائع المؤتمر التنويري (41) لوزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية

صحيفة الهدف

– تصاعد الفقر في السودان إلى 71%

– الح.رب وسياسات الحكومة تفاقمان الانهيار المعيشي

مجدي علي

كشفت الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية خلال المؤتمر التنويري الحادي والأربعين الذي انعقد في بورتسودان في الأسبوع الأول من نوفمبر 2025 عن صدمة جديدة في المشهد الاقتصادي والاجتماعي بالسودان. فقد أعلن الوزير معتصم آدم صالح أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 71% من السكان، أي ما يعادل نحو 23 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، مقارنة بـ 21% فقط قبل اندلاع الح.رب في أبريل 2023.

هذه الأرقام، التي اعترف بها الوزير نفسه، تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها السودان، وتشير إلى أن الح.رب ليست السبب الوحيد، بل إن السياسات الحكومية والتدابير الاقتصادية الفاشلة ساهمت بشكل مباشر في تفاقم حالة الانهيار المعيشي.

الفقر.. نتيجة الح.رب والإدارة العاجزة

منذ اندلاع الق.تال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، انهار ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتوقفت عجلة الإنتاج في الزراعة والصناعة والخدمات. فالأراضي الزراعية التي كانت توفر الغذاء والحياة لملايين الأسر توقفت معظمها عن الإنتاج، بينما توقفت الصناعات التحويلية عن العمل بسبب نقص الوقود والكهرباء وارتفاع تكاليف النقل.

لكن الكارثة الأكبر، كما يرى خبراء الاقتصاد، تتمثل في عجز الحكومة عن وضع سياسات اقتصادية واضحة وفعالة للتعامل مع تداعيات الح.رب. إذ إن ملايين الأسر فقدت مصادر دخلها، وتحول الفقر إلى ظاهرة جماعية تهدد تماسك المجتمع الس.وداني. وبدلاً من استثمار الموارد في إعادة تشغيل الاقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل، اعتمدت الحكومة على إجراءات مؤقتة تفتقر إلى التخطيط الاستراتيجي، ما زاد من تفاقم الأزمة.

برامج معلّقة بين الشعارات والواقع

أكد الوزير خلال المؤتمر أن وزارته تعمل عبر خطة “المائة يوم” على تعزيز سبل كسب العيش وتوسيع مظلة التمويل الأصغر والمشروعات الصغيرة. غير أن المراقبين يرون أن هذه البرامج تفتقر إلى أدوات التنفيذ، إذ لا توجد بنية مؤسسية متماسكة، ولا تمويل كافٍ، وفي الوقت نفسه تتآكل قدرة الدولة على تغطية أبسط الاحتياجات الخدمية كالصحة والتعليم.

حتى ديوان الزكاة والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، التي وصفها الوزير بأنها ركائز الحماية الاجتماعية، تواجه تحديات جسيمة بفعل التدهور الاقتصادي والفساد الإداري، ما يجعلها عاجزة عن تغطية ملايين الفقراء الجدد.

الفاشر.. مرآة الانهيار الإنساني

أشار الوزير في كلمته إلى أن ما يحدث في مدينة الفاشر هو “كارثة إنسانية“، نتيجة جرائم قوات الدعم السريع ضد المدنيين، مؤكداً أن نحو 50 ألف نازح من الفاشر والخوي بحاجة عاجلة إلى دعم اجتماعي.

تأتي هذه الاعترافات الرسمية لتكشف عن حجم الانهيار الإنساني الذي تعجز الحكومة عن احتوائه، في ظل غياب آليات إغاثة فعالة، وترك المنظمات المحلية والدولية تواجه وحدها مشهد النزوح والفقر والمجاعة. فغياب الرقابة وتفشي الفساد يجعل من الصعب إيصال الدعم إلى المستحقين، وتظل ملايين الأسر عالقة بين الفقر والجوع وانعدام الأمن.

بين وعود 2026 وواقع الخراب

تحدث الوزير عن خطة لعام 2026 تركز على تمكين المرأة، وصرف مستحقات المعاشيين، وتشغيل الشباب، إلا أن تلك الأهداف تواجه واقعاً اقتصادياً منهاراً. فالعملة الوطنية تفقد قيمتها يومياً، والبطالة في مستويات قياسية، وانعدام شبه كامل للبنية التحتية، مما يجعل أي برامج تنموية محدودة الفاعلية.

وبينما تُقام المؤتمرات في بورتسودان، تتوسع رقعة الفقر كالنار في الهشيم من أطراف البلاد إلى مركزها، لتصبح أزمة هيكلية تهدد استقرار السودان السياسي والاجتماعي.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

الفقر المتصاعد يفاقم أزمة الهجرة الداخلية والخارجية، إذ يضطر آلاف الشباب إلى مغادرة مناطقهم بحثًا عن فرص عمل، بينما تعتمد الأسر على الدعم الإنساني المباشر للبقاء على قيد الحياة. كما أن انهيار الاقتصاد المحلي يهدد القطاع الزراعي والصناعي، ويجعل السودان أكثر اعتمادًا على الواردات لتغطية الاحتياجات الأساسية، ما يزيد من الضغط على العملة الأجنبية ويزيد تكلفة المعيشة.

من إدارة الح.رب إلى إدارة الفقر

تقرير الوزارة في حد ذاته يمثل إدانة صريحة للسياسات الحكومية التي فشلت في حماية المجتمع من الانهيار. فالح.رب ليست وحدها من دفعت الملايين إلى الفقر، بل القرارات المرتبكة، وغياب الأولويات، وتسييس الاقتصاد، جعلت البلاد تراوح مكانها في دوامة من العجز والإنكار.

ومع استمرار الق.تال وتراجع الإنتاج وهروب رؤوس الأموال، يخشى المراقبون من أن تكون نسبة الـ 71% بداية مرحلة جديدة من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، ما لم تتوقف الح.رب ويُعاد بناء الدولة على أسس جديدة تُقدِّم الإنسان على البندقية، والتنمية على الشعارات.

#ملف_الهدف_الاقتصادي #الفقر_في_السودان #اقتصاد_الح_رب #الانهيار_المعيشي

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.