السودان والبحر الأحمر… نحو شراكات شفافة تضمن السيادة وتمنع التنافس غير المنضبط(1)

صحيفة الهدف

محمد شريف

في ظل التحولات الجيو سياسية المتسارعة في منطقة البحر الأحمر، يجد السودان نفسه في قلب معادلة استراتيجية معقدة، تتقاطع فيها مصالح دولية وإقليمية متباينة. من روسيا التي تسعى لترسيخ وجودٍ لوجستي في ميناء بورتسودان، إلى إثيوبيا التي تلوّح بحقها في منفذٍ بحري، مرورًا بمصر التي تؤكد أن أمن البحر الأحمر شأنٌ حصريٌّ للدول المشاطئة، والسعودية التي تطلق مشاريع طموحة لربط البحر الأحمر بالخليج عبر ممراتٍ بريةٍ ضخمة — كل هذه التحركات تضع السودان أمام تحدٍّ وجودي: كيف يحافظ على سيادته ويحوّل موقعه الجغرافي من ساحة تنافس إلى منصة تعاون؟

إن الدعوة إلى شراكاتٍ شفافة ليست ترفًا دبلوماسياً، بل ضرورةً استراتيجية لضمان ألا يتحول السودان إلى مجرد ممرٍّ أو قاعدةٍ تُستخدمها القوى الكبرى لتحقيق مصالحها دون اعتبار لاحتياجاته التنموية أو استقراره الداخلي. فالموانئ السودانية، وعلى رأسها بورتسودان، يجب أن تُدار وفق رؤيةٍ وطنيةٍ واضحة تضمن الشفافية في التعاقدات، وتضع ضوابط صارمة لأي وجودٍ أجنبي، سواء كان عسكريًا أم تجاريًا.

وفي هذا السياق، ينبغي أن يتبنى السودان نهجًا مؤسسيًا يقوم على أربعة مبادئ رئيسية:

  1. الشفافية التعاقدية عبر نشر تفاصيل أي اتفاقيات بحرية أو لوجستية للرأي العام ومؤسسات الرقابة.
  2. التوازن الإقليمي بما يراعي مصالح الدول المشاطئة الأخرى دون الانحياز لطرفٍ على حساب آخر.
  3. الربط التنموي من خلال اشتراط أن تُسهم أي شراكة بحرية في تطوير البنية التحتية الداخلية، مثل السكك الحديدية والموانئ والمناولة الذكية.
  4. الاستقلال السيادي عبر رفض أي ترتيباتٍ تؤدي إلى وجودٍ عسكريٍّ دائم أو تحكمٍ خارجيٍّ في الموانئ.

إن السودان، بتاريخ حضارته وموقعه الجغرافي الفريد، قادرٌ على أن يكون جسرًا للتكامل الإقليمي بدلاً من أن يكون ساحةً للتنافس. لكن ذلك يتطلب إرادةً سياسيةً واضحة، ومؤسساتٍ قوية، ورؤيةً استراتيجية تربط بين الأمن البحري والتنمية الوطنية. كما يتطلب إشراك المجتمع المدني والخبراء في صياغة السياسات البحرية، لضمان أن تنبع الشراكات من احتياجات السودان لا أن تُفرض عليه من الخارج.

في زمنٍ تتغير فيه خرائط النفوذ بسرعة، لم يعد البحر الأحمر مجرد ممرٍّ مائي، بل ساحة اختبارٍ حقيقية لمدى قدرة السودان على صياغة مستقبله بشروطه الخاصة. والشراكات الشفافة تظل السبيل الوحيد لضمان أن يكون هذا المستقبل قائماً على السيادة لا التبعية، وعلى التعاون لا التنافس غير المنضبط.

#ملف_الهدف_الاقتصادي #السودان_البحر_الأحمر #السيادة_البحرية #الشراكات_الشفافة

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.