في اللحظة التي تنهار فيها المؤسسات وتتلاشى فيها خرائط الطريق، ويصبح فيها الانهيار المالي والاجتماعي قدراً محتوماً، ثمة قوة صامتة تقاوم هذا السقوط بكل ما أوتيت من حنكة ويقين: إنها المرأة السودانية.
اليوم، نفتح ملفنا لنرصد ظاهرة اقتصادية واجتماعية فريدة: “اقتصاد الصمود”. إنه الاقتصاد الموازي الذي تُديره النساء، ليصبح بمثابة الشريان المغذي لمجتمع جفّت شرايينه الرسمية. حينما يرتجف سعر الجنيه في البنوك المنهارة، وتتوقف تحويلات الدولة، تتحول شبكات النساء العائلية والاجتماعية إلى بنوك ظل تُدير التمويل متناهي الصغر وتُنظّم حركة الأموال والغذاء بين مدن محاصرة أو منهارة وقارات متباعدة في الشتات.
هذا العدد ليس سرداً لمعاناة فحسب، بل هو شهادة فخر على تحوُّل المرأة من ضحية محتملة إلى مدير اقتصادي ومنظم بنية تحتية يصنع النجاة. لقد أصبحت سلة المرأة، بذكائها في التسعير والتوزيع والتدبير، هي الوحدة الأساسية التي يُقاس بها بقاء الأسرة السودانية.
إنها هندسة النجاة بامتياز: إيجاد طرق لوجستية مستحيلة لتأمين الدواء في زمن الحصار أو الانهيار، وتنظيم الأسواق البديلة في قلب الفوضى. نرجو أن يكون هذا الملف دعوة للإنصاف، واعترافاً بأن القوة الدافعة الحقيقية لأي تعافٍ قادم في السودان لن تنبع من صالونات السياسة، بل من عزيمة النساء اللواتي أثبتن أن الإدارة التنظيمية في أحلك الظروف هي الإرث الأكثر قيمة في وجه الانهيار. فمن بين رماد الأزمة، تُصنع ميزانيات النجاة وتُكتب قصص الصمود التي لا تعرف الفشل.
#اقتصاد_الصمود #نساء_السودان_نجاة #المرأة_والبناء_المجتمعي #ملف_المرأة_والمجتمع

Leave a Reply