من يستنفر من؟ — أسئلةٌ في وجه تجّار الح-رب!

صحيفة الهدف

م عبدالمنعم مختار

#الهدف_آراء_حرة

في كل مرةٍ نعتقد أنّ البلادَ قد استخلصت درسَ الح-رب، نكتشفُ أن العقلَ نفسه، الذي مهّدَ لدوّامة الخراب ما زال ممسكًا بخيوط اللعبة؛ يغيّر الوجوهَ ولا يغيّرُ المنهج. اليوم يعودُ التجنيدُ القسريُّ بثوبٍ جديدٍ يُسمّى «الاستنفار»، فتُجرّفُ المدنيين والأطفال إلى ساحاتِ الموت بذريعةِ حمايةِ الوطن، كأنّ التاريخ لم يُغلِق بعدُ فصلاً كافيًا من النزيف ليُعلّمنا عبثيّة هذه الحروب.

تُسرد صفحاتُ تاريخنا القريب فصولًا داميةً بدأَت بالتجنيد الإجباريِّ وقيامِ «الدفاع الشعبي» كقوةٍ موازيةٍ للجيش. اختلطَ خزعبلات المتأسلمين  بالسياسة، فصارت الح-ربُ طقسًا مُقدّسًا تُباركهُ المنابر وتُرفعُ شعاراتٌ تُخفي وراءها مأساةَ آلاف الشباب المُرسَلين قسرًا إلى الق-تال. علاماتُ العار ظهرت في أحداثٍ مثلَ مذبحةِ العيلفون (1998)، حيث فقدَ طلابٌ يافعونَ حياتَهم أو غرقوا في محاولاتِ فرارٍ إلى أهلهم، فدُفن بعضهم سرًّا وبقيت الحادثة وصمةً على جبين سلطةٍ زعمت الجهادَ وهي تقوّضُ معنى الإنسان.

إعلام السلطة  لم يكن يومًا بريئًا من دماء هذه الح-روب. فقد روّجَ لخطاب الاستنفار، ولبسَ الح-ربَ ثوبَ الدين، فغدت «ساحات الفداء» ومثيلاتها من البرامج الإذاعية والتلفزيونية منابر تعبئةٍ لا منابر وعي، تُلبِسُ السياسةَ ثوبَ الدين على طريقة المتأسلمين، وتمنحُ الح-ربَ صكوكَ البركة. وقفَ «كتبة السلطان» و«حارِقو البخور» يُمجّدون الموت ويباركون الخراب، ويُحيلون الدمَ إلى شعيرةٍ من شعائر الولاء، بينما تتحوّلُ الكلمة إلى سلاحٍ آخر في يد دعاة الح-رب.

وفي مشهدٍ لا يخلو من المفارقة، يغيبُ أبناءُ القيادات الذين يدعون الناس إلى «الاستنفار». لا نرى أبناءهم في ساحاتِ المعارك ولا في خطوطِ النار، بل نراهم في إسطنبول وماليزيا ودبي والدوحة….الخ من بقاع الأرض ، يصورون حفلات الطرب ويتناولون اشهي الماكولات،وبدرسون في أرقي الحامعات وعندما يكتبون عن حب الوطن  يشكرون كلماتهم من شرفاتٍ مطلةٍ على البحر. بينما أبناءُ البسطاء، ضحايا الأوهام والشعارات، يُساقون إلى ميادينٍ لا يعلمون أين تبدأ فيها الوطنية وأين تنتهي فيها الصفقة.

والسؤال الذي لا يريد أحدٌ أن يسمعه:

من الذي وقفَ حمايةً لقوات الدعم الس-ريع عندما طالبَ الثوارُ بحلّها؟

من الذي أنفقَ عليها المال والعتاد، وفتحَ لها معسكرات التدريب؟

من الذي مكّنها من السيطرة على الشركات، وعلى قطاع التعدين وجبل عامر؟

من الذي جعلها دولةً داخل الدولة ثم تباكى اليوم على نتائج صنيعه؟

إنها ذاتُ المنظومة التي صنعت الخراب، ثم تحاول أن تبيعه لنا في غلافٍ جديد تحت اسم «الاستنفار الشعبي».

ختامًا:

إن سمّوا هذا الاستنفارَ حبًا للوطن، فهذا لا يغيّر حقيقة أن من موّلَه، وسلّحه، ودربّه من خلف الستار لم يكونوا يومًا أبطالًا بل تجّار ح-رب. أما ضحاياهم فليسوا سوى أبناء الشعب البسيط الذين يُساقون إلى موتٍ مجانيٍّ باسم الشعارات. فهل من جوابٍ من تلك الأصوات التي ما زالت تلوّح بالوطنية، بينما هي بعيدةٌ عن ساحات المعارك وعن رائحة التراب الذي يدّعون الدفاع عنه؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.