أمشي قوليلو أبيت أبيت

صحيفة الهدف

توتا صلاح مبارك

الأستاذ الزاكي عبد الحميد احمدالذي أَمْتَعَنا كثيراً ب”سردياته” الباذخة.
قَرأتُ له مادة ثرة، مميزة، أتي بها من التراث الشعبي المَحْكي شفاهةً في ديار الشايقية،
ف “أنعشها” و أعاد اليها نبض الحياة
و هي تدور حول قصيدة أمشي قوليلو أبيت أبيت و القصة التي حَفٌزتْ نَظْمها و وَلٌدَتْ ملابَسات إبداعها !!!

قرأتُ المادة بشغف
و نَهْم
و أنا أزدرد حروفها
و ألتهِم كلماتها كأني إحدي “الحواريين” يلتهمون “مائِدَةً مِنَ السَّماءِ”
…….الحواريون طلبوا مائدتهم
و لعلهم وجدوها إثباتاً لقدرة ” الحق”….
أما “أنا” ،
النافرة ،
النَفور من القبيلة
و القبلية و لِدهشتي وجدت
ما حوي المقال من تراث يمكِن أنْ يكون بعض “زاد” يُثْبِتْ و يُكَرِس قدرة “القبيلة”
و مقدرتها علي إثراء الثقافة ،
و رفد التنوع
و التعدد إيجاباً
ليتدفق الكُل في مصب الابداع ،
و التآخي ،
في وطن،
يبرأ من الاستعلاء ،
و يغتسل مِن أدران التَعَصُب ،
و التمييز .
و التنميط
و يتشافي من عاهات الحروب
و التَقاتُل .

قصيدة أمشي قوليلو أبيت أبيت تُنْسَب لفاطمة بت بشير زوجة العمدة محمد أحمد سمعريت عمدة مركز مروي في ذلك الزمان .

حكوا ، فقالوا أنٌ مشكلة نشبت بين العمدة وزوجته بت بشير حين ركبت الزوجة حمار زوجها العمدة دون علمه وذهبت به لقرية “أبو دوم” لحضور مناسبة إجتماعية !!.
أثار هذا الفعل حفيظة العمدة و أشعل نار غضبه فلم يتواني أن يُمْطِر الزوجة بوابل من التقريع و التوبيخ
و القول الفظ !!!!
فما كان منها إلا أن لاذت بكبريائها
و ارْتَكَنَتْ الي كرامتها فذهبتْ لبيت والدها……..و”العَرْجة لمُراحا ” !!!
و كما هو مُتَوَقَع بحسب إرثنا السوداني الذي ينحاز ل”السلام” تَدَخل “اهل الخير ” ليقنعوا الزوجة
بالعودة لمنزل الزوجية، و قد فعَلَت…… و الذي لدهشتها وجدته موصد الابواب ،
مُحْكَم الأقفال ،
و لم يتواني الجيران بإخبارها أن ذلك تَمٌ بيديٌ العمدة ذاته !!
في اشارة حاسمة الي أَنٌ تواجدها بات غير مُرَحَباً به ،
و غير مرغوبٍ فيه !!!
عادت الزوجة كَرٌةً ثانية لمنزل والدها مجروحة الكرامة ،
مخدوشة الكبرياء ،
نازفة الوجدان !!!

…….و جدتني أعيش الموقف ،
و أغْرَق في دفق الحزن و الخيبة كما كُنْتُ “هي” اي فاطمة بن بشير زوجة العمدة سمعريت!!
ثُمٌ….لما إنْقَشَعَتْ سحابة الغضب ، وعي العمدة فداحة ما فعل ،
اي ” مشت السَكرة و جات الفكرة ” كما يقًول المثل السوداني ،
فأرسل أخته “نفيسة” لتطلب من بت بشير العودة إلى منزل الزوجية ‘
إلا أنها ثارت لكرامتها ،
و انتصرتْ لكبريائها
فأعلنت العصيان ،
و ساقتْ رفضها القاطع للعودة بقصيدة قالتْ فيها:

قوليلو أبيت أبيت..
أمشي قوليلو أبيت أبيت..
وتاني قوليلو أبيت أبيت..
وكان ضَبَحْ تورك جبتو جيت..
وكان ملص مركوبك حبيت..
و كان مشيت في الخرطوم بنيت..
وكان قلع جدك سمعريت..
مابرجع تب أبيت..

شن عملت أنا شن سويت..
ﻻمن ألقى الشفتو ولقيت..
من رجوعي تقفل البيت..
مالي شن أذنبت وجنيت..
أمشي قوليلو أبيت أبيت..
وتاني قوليلو أبيت أبيت..

يسلموا السبعة أوﻻد بشير..
سوولي حوشا كيف كبير..
حوشا فيهو دستة ضلاليل…
فيهو حنفيي وفيهو بير..
وتلاتة خدامات بنات جيل…
واحدي للدلكي وواحدي للغسيل..
وواحدي لي فراش السرير..

أمشي قوليلو أبيت أبيت..
وتاني قوليلو أبيت أبيت..

أضاني فيها الدهب اﻷصيل..
إيدي فيها أب حرفا كبير..
ساقي فيها القشلي التقيل..
و الجلاليب من الغزل الحرير..
أمشي قوليلو أبيت أبيت.

و تاني قوليلو أبيت أبيت..

عندي ست جلاليب ستان..
وعندي توب اسمو الزردخان..
وعندي فِركة دموع التجار..
وعندي توب اسمو الحمام طار..
وعندي شبشب اسمو السيار..
وعندي كركب في البيت غيار..
فيك الحراز ان بقيت جيت..
وفوقي التمر انا كان رضيت..

أمشي قوليلو أبيت أبيت..
و تاني قوليلو أبيت أبيت..
قوليلو أبيت أبيت..

لما قرأتُ رد فاطمة بت بشير في تلك الأبيات تغشتني نشوة النصر
و إمتلأتُ اعتداداً بهذه المرأة التي لم تنكسر
بل قارَعَت التسلط ،
و الاستعلاء الذكوري
برفضٍ ينتصر لكبريائها
و إنسانيتها
و أُنثويتها….و هي التي لم تغترف وزراً …..
أقول و الله فاطمة بت بشير زوجة العمدة “فَشٌتْني ” ك “فَشٌة ” “كلتوم” …..و إليكم قصة “كلتوم ” :
الشاعر “القدال” له الرحمة عندما سمع قصيدة”الحجاج ” لأزهري محمد علي و التي تقول بعض ابياتها :
كلابك والأفاعي الحايمة من روتانا لي أمواج ..
كاورت البلد بي حالا ..
… ولا لقت اليقولها جر ..
في ناس جيعانة ما قلبت حرف في صاج ..
… في ناس عريانة ما لفحت هدم في الزيفة ..
ما طالت ايديها رغيفه ..
والسبب المعكر كيفا ..
دق بنوتا بالكرباج ..
ناس غلبانة بس دغرية ..
ما بتعرف تخت طاقية في طاقية ..
والدين الحنيف في شرعها الحرية ..
زدتها في الحرج احراج ..
وزدتها في الدجل دجال ..
عوج شفناهو ماسمعناهو في قول زول ..
طحنتنا طاحونة الفقر ..
طحنتنا سنواتا العجاف ..
يا الله تلزمنا الصبر والسترة ..
والعيش الكفاف ..
غرقان بيرقص منتشي ..
ووطنا مقطوع من خلاف ..
وبأسم الله ما خلالنا شي ..
وفصلنا في آخر المطاف ..
يا ناسي أقدار الرجال ..
ما تخشى غدر الله وتخاف ..
كتر عوج الكلام والميل ..
وتحت الجزمة مليون ميل ..
تحت الأزمة طاحونة حوافر الخيل ..
سقط تلت البلد عفوا ..
سقط نص البلد لهوا ..
سقط كل البلد سهوا ..
فهل صحاك ضمير الأمة في هجعة هوايد الليل ..
على زبد الغنا الممحوق؟ ..
شنو الخلاك تنوم تحلم على خرطة وطن مسروق؟ ..
وطن في السوق .. وطن أشتر ..
مرق من ذمة التاريخ على ذمة كلاب الحر ..
ينوم في جبة الدرويش ..
يقوم بي بدلة العسكر ..
.. فيا ويلك في يوم الويل ..
ويا ويلك .. تقوم تحتك قيامة الناس ..
أفواج الضحايا ..
ستات الكجيك والشاي ..
والناس البعرفو شليل ..
حشود الطلبة والعمال ..

أقول عندما سمع “القدال” قصيدة “أزهري محمد علي” صاغ اعجابه بالقصيدة في سردية حكي فيها و قال….عند بدايات ظهور المشروب الغازي ” كوكا كولا ”
أشترتُ إمرأة مقتدرة تسمي “كلتوم ” من نساء قرية ” حليوة ” “مسقط رأس القدال”، إسْتَرَتْ “كلتوم” صندوقاً من “الكوكا كولا” و دَعَتْ نساء البلدة الي أمسية مارسن فيها بعض رفاهية و شيئاً من ترف ،
فاستمتعنَ بالمشروب الغازي ،
ثم تجَشأن طاردات الغاز من أحشائهن….
و ألسنتهن تلهج بالشكر ل”كلتوم ” قائلات :
“فَشيتينا يا كلتوم الله يْفِشِك “

و أقول أنا ” و الله فشيتنا يا بت بشير ، الله يفِشَك ”

شكرا أستاذ الذاكي عبد الحميد

#ملف_المرأة_والمجتمع #فاطمة_بت_بشير #أمشي_قوليلو_أبيت_أبيت #الزاكي_عبد_الحميد #تراث_الشايقية #المرأة_والكبرياء

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.