لتحديات والمؤامرات، التي تستهدف أمتنا العربية: من التشخيص إلى المواجهة

صحيفة الهدف

بقلم: ماجد الغوث

مدخل: الأمة، التي تتأمل نفسها من بين الركام

كل أمةٍ كبيرةٍ تُختبَر أولاً في وعيها لذاتها، قبل أن تُختبَر في معاركها مع الآخرين.

ومنذ أن بدأت النهضة العربية الحديثة تبذر حلمها في ركام القرون، وُلد معها ضدّها: مشروعٌ مضادّ، يهدف إلى قطع الذاكرة عن الجذور، وتشويه فكرة العروبة بوصفها وعياً توحيديًا للإنسان العربي، لا مجرد رابطة سياسية.

لقد أدرك أعداء الأمة — من ص-هاينة وإمبرياليين وفرسٍ مستترين بثياب المذهب — أن هذه الأرض، إذا نهضت، ستغيّر وجه التاريخ.

ومن هنا، تحوّل الصراع العربي إلى صراعٍ وجوديٍّ بين أمةٍ تبحث عن ذاتها، وقوىً تريدها أن تنسى من تكون.

جذور المؤامرة: سايكس–بيكو كتقسيمٍ للروح قبل الجغرافيا

حين خُطّت خطوط سايكس–بيكو على الورق، لم تُقسَّم الجغرافيا فقط، بل قُطّعت الروح العربية.

كان التقسيمُ أكثر من خيانةٍ سياسية؛ كان اغتيالًا لفكرة الأمة الواحدة، ولحلم التواصل بين المشرق والمغرب.

ثم جاء زرع الكيان الصه-يوني في قلب فلسطين كطعنةٍ مقصودةٍ في الوعي، لا في الجسد وحده — ليكون حاجزًا بين ضفتي الوجدان العربي، وليُغرس في خاصرة التاريخ خنجرٌ اسمه “الآخر”.

منذ ذلك اليوم، لم تتوقف المعركة، لكنها تغيّرت في الشكل:

من الاحتلال المباشر إلى الاحتلال الناعم للوعي،

ومن الجندي الغازي إلى الإعلام الموجَّه،

ومن القنابل إلى أدوات التغريب، والتطبيع، وتفكيك المعنى.

الوجه المعاصر للمؤامرة: تفجير الداخل وترويض الوعي

إن ما نعيشه اليوم ليس “مؤامرة جديدة” بل مرحلة متقدمة من حربٍ قديمة: حرب تفجير الذات العربية من داخلها.

فالأعداء أدركوا أن تدمير الأمة لا يتم بجيوشٍ تُهاجم، بل بأفكارٍ تُزرع، وأزماتٍ تُدار، وعصبياتٍ تُستثار.

تمت صناعة نُظمٍ تدّعي الحداثة وهي تخدم الهيمنة، وخلق تياراتٍ باسم الدين تُكفّر الانتماء العربي، وأخرى باسم الحرية تُلغي فكرة الأمة.

هكذا صار العربي يقف أمام مرآته فلا يرى نفسه، بل صورةً مُجزّأة بين الطائفة، والعِرق، والحدود.

وهذا أخطر أشكال الاستعمار: حين يصبح الإنسان أداةً ضدّ ذاته.

المواجهة: بين وعيٍ ثوري ومشروعٍ نهضوي

إن مواجهة هذه التحديات لا تكون بالشعارات العابرة، بل بإعادة بناء الوعي العربي من جذوره.

فالتحرر لا يبدأ من البندقية وحدها، بل من الفكرة، التي تمنحها معناها.

من هنا جاءت رسالة حزب البعث العربي الاشتراكي، لا كتنظيمٍ سياسي فحسب، بل كفلسفةٍ للوجود العربي: توحيد الأمة في مواجهة التجزئة، والحرية في مواجهة القهر، والاشتراكية في مواجهة الاستغلال.

لقد وقف البعث، عبر عقيدته القومية، في وجه العاصفة، وقدّم قادته وشهداءه دفاعًا عن كرامة الأمة، وفي طليعتهم القائد الشهيد صدام حسين، الذي فهم أن المعركة ليست مع سلاح العدو فقط، بل مع وعيه وثقافته ومشروعه في الهيمنة.

فالمواجهة اليوم هي معركة وعيٍ قبل أن تكون معركة سلاح، وبناء مشروعٍ قومي تحرري وحدوي هو الردّ التاريخي على كل محاولة لتفكيك الوجود العربي

فلسطين: البوصلة الأخلاقية والمرآة التاريخية

في عالمٍ يتناقص فيه الشرف السياسي، تبقى فلسطين المحكّ، الذي يكشف معدن الأمة.

هي ليست مجرد قضية أرضٍ محتلة، بل معيار الوعي العربي بين من انتمى للتاريخ، ومن باع صوته في سوق التطبيع.

كل من يُفرّط في فلسطين إنما يُفرّط في معنى العروبة ذاته.

إنها البوصلة، التي تردّنا إلى أنفسنا، لأن الدفاع عن القدس ليس دفاعًا عن جغرافيا، بل عن المعنى الروحي لوجودنا العربي.

وفي مقاومة غزة اليوم، وصمود الضفة، ونبض كل طفلٍ عربيٍّ يرفع العلم، نرى أمل الأمة يتجدد في وجه التاريخ.

الأمل: في عودة الوعي لا في وعود الخارج

رغم اتساع الجراح، ما زالت الأمة العربية تملك قدرتها على التجدد.

فكلما ظنّ العدو أنه أحكم الحصار، ولدت من رحم القهر مقاومة، ومن داخل الرماد نهضة.

الأمة التي أنجبت المعتصم وصلاح الدين وميشيل عفلق وصدام حسين، لا تموت.

إنها أمة الوعي المتجدد، التي تتغذى من فكرة الخلود لا من ذكرى الماضي.

وإذا كان التاريخ سلسلة من التحديات، فإن الوعي العربي اليوم مطالب بأن يحوّل النكبة إلى نهضة، والانكسار إلى بصيرة.

خاتمة: الأمة والقدر المشترك

ليست المؤامرات، التي تحيط بالعرب قدرًا، بل امتحانًا لليقظة.

وإذا كانت العروبة فكرة وُلدت من رحم المعاناة، فإنها اليوم تُستدعى لتعيد ترتيب المعنى وسط الفوضى.

فالأمة التي تفقد وعيها بذاتها تصبح مادةً في يد الآخر، أما التي تُعيد قراءة تاريخها بجرأة، وتصوغ مشروعها الحضاري بثقة، فهي التي تكتب مستقبلها بيدها.

وهذا هو الطريق الوحيد من التشخيص إلى المواجهة:

أن نؤمن بأننا نحن المعنى، ولسنا الهامش

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.