د. عبدالمجيد الرافعي، في سيرة ومسيرة قائد مناضل كبير (يعبرون وتبقى)

صحيفة الهدف

نبيل الزعبي

منذ عودته من منفاه القسري الذي أستغرق أكثر من  عشرين عاماً ، أستحدث راحلنا الدكتور عبدالمجيد الرافعي يوماً كاملاً من كل اسبوع يلتقي فيه أبناء مدينته ورفاقه وأحبابه، يستمع ويشرح ويلاحق أمور الكبير والصغير، البعيد قبل القريب ويقرأ لهذا الكاتب وذاك ولطالما كان يُبدي أعجابه  بقلم أحد أبناء مدينته الدكتور خالد بريش المواظب حينها على الكتابة في جريدة الإنشاء الطرابلسية الغرّاء وإلمامه بكل شاردة وواردة في طرابلس وهو المقيم في العاصمة الفرنسية باريس حيث كان يلفت نظره  دائماً المَلَكَة الأدبية للدكتور بريش وإضاءته على السِيَر الذاتية لإعلامي مدينته من الأدباء والشعراء ورجال المسؤوليات الكبار فكان لا يتوانى عن الترديد أمام حضور جلساته مبدياً اهتماماته بهذه الكتابات وقلم صاحبها.

إعجابه بهذا الكاتب ولّد لدّي ولدى شقيقه  الأستاذ عبدالرحمن أنه في قرارة نفسه يجد أن صاحب هذا القلم هو الأقدر على كتابة سيرته الذاتية يوماً ما خاصةً أنني وبِحِكِم قربي من” الحكيم” ولقائي الصباحي اليومي معه في مكتبه ، كنت اشعر أنني أتحمل شخصياً مسؤولية كتابة هذه السيرة ، سِيّما وأنه كان كلما وقعت بين يديه وثيقة أو ورقة أو حتى قصاصة صغيرة تتناوله شخصياً يطلب مني الإحتفاظ بها قائلاً : خلّيها عندك لأنك ستحتاجها يوماً.

قبل وفاته بأشهر إقترحت عليه الإستعانة بأحد الرفاق الكتاب الكبار للبدء بمحاولة كتابة سيرته غير أن الظروف حالت دون ذلك ، وقبيل رحيله بأسابيع وتحديداً في عيد الاضحى الذي سبق يوم وفاته دخلتُ عليه معايداً وكان حاضراً كبير كتاب جريدة النهار الأستاذ جهاد الزين والصحافي المخضرم الأستاذ أسعد خوري لاُفاجأ به متحدّثاً أمام الحضور بالقول إن رفيقنا ( ويقصدني ) في طور التكليف لإعداد ما يلزم من مواد لكتابة سيرته، وهنا تناول الكلام الأستاذ الزين مخاطباً إياه معلّقاً : إن ما هو موجود من أوراق ووثائق لا تكفي وحدها لكتابة سيرة ذاتية بحجم تضحياتك، مقترحاً عليه الإستعانة بكاتب متخصص ممكن التواصل معه ليسجّل وإياه من عشرين ساعة صوتية وفوق على الأقل يبوح فيها بكل ما تختزنه الذاكرة من تجارب ومحطات ومفاصل نضالية شخصية وعامة وقد لاقى هذا الإقتراح مثار الترحيب من الحكيم شخصياً غير أن وفاته حالت دون ذلك.

لم يَغِب عنا ما كان في قرارة نفس الحكيم مما اعتبرناه وصيةً منه علينا تحقيقها ولو جاء ذلك متأخراً إلى أن بادرت العائلة الرافعية الكريمة بشخص شقيقاته وأشقائه إلى تنفيذ ذلك بهِمّة شقيقه الأستاذ عبدالرحمن والتشاور مع عميد صحافتنا الشمالية الأستاذ مايز أدهمي، حيث كنا ثلاثتنا على تواصل مستمر مع الدكتور خالد بريش تشاوراً وإعداداً وتنفيذاً في مدىً من الزمن استغرق السنتين كان الحرص الأساسي فيه أن تكون سيرة ومسيرة الدكتور عبدالمجيد الرافعي في متناول الدارسين فضلاً عن القراء لحياةٍ حافلة بالنضال جاوزت عقوداً من الزمن لم يهدأ فيها يوماً أو يستكين وهو يناضل في سبيل مدينته ولبنانه وأمته العربية منذ حمل مبضع الجراحة يوم تخرّجه طبيباً في سويسرا إلى مرحلة تمثيله النيابي لمدينة طرابلس من العام 1972 إلى العام 1992 إلى محافظته على وحدة واستمرارية حزبه قبل وبعد إحتلال بغداد واغتيال رفيقه القائد الشهيد الرئيس صدام حسين عام 2006 والصعوبات الأمنية التي حالت أمام الأمين العام للحزب الأستاذ عزت الدوري دون المتابعة الميدانية للشؤون القومية للحزب خارج العراق وليتولاها الدكتور عبدالمجيد بصفته نائباً للأمين العام فكان خير وأقدر من تولى هذه المهمة التاريخية فلم يكلّ أو يملّ  حتى الرمق الأخير وقد جاوز التسعين من السنين.

هنا ، ومع الشكر لكل من ساهم في إعداد هذا الكتاب وأدلى بشهادته في الراحل الكبير وقد ذكرهم الكاتب جميعاً شاكراً لهم مساهماتهم ، لا بد من الإضاءة على ما قام به رفيقنا المفكر الاستاذ حسن خليل غريب الذي وضع كل ما بحوزته من أرشيف للحزب ونضاله في لبنان بمتناول المؤلف الدكتور بريش الذي أسرّ لنا أن ما قدّمه الرفيق أبو حسان يصلح ليس لكتاب مفصل عن الدكتور عبدالمجيد جاوز السبعمائة وثلاثين صفحة وحسب وإنما هو ذخيرة لكل دارسٍ ومحققٍ وباحثٍ لمسيرة ” البعث” في لبنان ودوره في الدفاع عن وحدة وسيادة لبنان ووضع اللبنات الأساسية لتحرير وتحصين الجنوب في مواجهة الإعتداءات الصهيونية والتي كان حكيمنا الراحل وقيادات الحزب في مقدمة من  تركوا بصماتهم المشرِّفة عليها وباتت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الحزب لبنانياً وقومياً مروراً بالمدينة الأحب إلى قلبه، طرابلس، والتي استحق من أبنائها أن يلقّبه الكبير والصغير فيها حكيم المدينة وطبيب الفقراء وضمير طرابلس ورمز نضالها الطويل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.