(قراءة إنسانية في الأزمة المعيشية بالسودان في زمن الحرب): اقتصاد الجوع… حين تصبح الحياة معركة خبز

صحيفة الهدف

عباس شريف مدثر
في زمنٍ صار فيه الخبز أغلى من الذهب، تحوّلت حياة السودانيين إلى معركةٍ يومية ضد الجوع، وضد الأسعار التي ترتفع كما ترتفع ألسنة النار في المدن المشتعلة. لم تعد الحرب في الجبهات فقط، بل انتقلت إلى موائد الناس، إلى تفاصيل يومهم، إلى أكفّ الأمهات ووجوه الأطفال.

تشير البيانات الميدانية من الأسواق في الخرطوم وأطرافها إلى صورةٍ مروّعة لواقع المعيشة: كيلو العجالي بـ 24 ألف جنيه، وكيلو الطماطم 4 آلاف، وطبق البيض 30 ألفًا، وكيلو العدس 8 آلاف، وكِرَستالة الزيت 16 ألفًا. أما الزبادي الكبير فبلغ 7 آلاف جنيه، والموز الذي كان فاكهة الفقراء أصبح بـ ألفين، والفول، طعام البسطاء، صار بـ ألف جنيه لا يكفي إلا لنفرين.

حتى الشاي، رمز الراحة السودانية، صار بـ 500 جنيه، بينما فنجان القهوة تجاوز الألف. أما “العيش”، أساس البقاء، فقد بلغ سعر الرغيف اليومي 6 آلاف جنيه للأسرة الواحدة. في حين أن الطرحة بالركشة من (دريم) إلى نهاية (الستين) صارت تكلّف 3 آلاف، وبالهايس ألفين، أما المشوار من (سوبا) إلى (الحاج يوسف) فيصل إلى 3 آلاف.

إنها ليست مجرد أرقام، بل لغة جديدة للفقر، ومؤشر على انهيار منظومة الحياة اليومية. الأجر الشهري لموظف حكومي يتراوح بين 50 و100 ألف جنيه، بينما يتجاوز إنفاق الأسرة على الغذاء فقط 700 ألف جنيه شهريًا. النتيجة واضحة: المواطن السوداني يعيش اليوم خارج معادلة البقاء الاقتصادي.

لقد فقد الجنيه السوداني قيمته كما فقدت الدولة توازنها، فتجاوز التضخم 300%، وانكمش الاقتصاد بأكثر من 40%.
توقفت سلاسل الإمداد، وجفّ الوقود، وشُلّت المصارف، وصار الناس يتداولون النقد الورقي كمن يتداول رمادًا لا نار فيه. لكن ما هو أخطر من الانهيار المالي هو الانهيار الأخلاقي والاجتماعي. الجريمة ترتفع مع كل ارتفاع في سعر الخبز، والانتحار صار لغة احتجاجٍ صامتة، والتعليم يتآكل مع كل يومٍ من الجوع. الأسر تتفكك، والثقة تتبخر، والناس فقدوا حتى حقهم في الحلم.

هنا تتجاوز المأساة الاقتصاد إلى الإنسانية ذاتها. فكيف يمكن لمجتمعٍ أن ينهض وهو يعيش على حافة المجاعة والخوف؟
وكيف يمكن لوطنٍ أن يزرع الأمل في أرضٍ أكلتها الحرب وأرهقها الجوع؟

إنّ وقف الحرب الفوري ليس مطلبًا سياسيًا فحسب، بل هو الشرط الوحيد لإنقاذ الاقتصاد والإنسان معًا.
كل طلقةٍ تُطلق هي رغيفٌ يُحرَم منه طفل، وكل يومٍ من استمرار القتال هو يومٌ إضافي في عمر المجاعة. الخبز لا ينمو تحت القصف، والاقتصاد لا يُبنى في ظل الموت.

السودان لا يحتاج الآن إلى نظريات اقتصادية، بل إلى ضميرٍ جماعي يختار الحياة.
فالسلام هو الخبز الأول، وهو العملة التي تحفظ كرامة الناس، وهو الاستثمار الوحيد الذي لا يخسر.

إنّ الأرقام التي نقرأها اليوم ليست جداول أسعار، بل بيانات صرخةٍ من قلب وطنٍ جائع يقول للعالم:
أوقفوا الحرب.. فقد صارت الحياة نفسها مهددة بالانقراض.

#السودان
#الأزمة_المعيشية
#الاقتصاد_السوداني
#الحرب_في_السودان
#الجوع
#التضخم
#الخبز
#السلام_هو_الحل
#صحيفة_الهدف
#ملف_الهدف_الاقتصادي
#عباس_شريف_مدثر
#انهيار_العملة
#الغلاء
#الكرامة_الإنسانية
#أوقفوا_الحرب

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.