الافتتاحية: طباعة الجنيه في زمن الحرب.. عملة بلا اقتصاد

صحيفة الهدف

في زمنٍ تتآكل فيه قيم الأشياء كما تتآكل قيم البشر، أعلن بنك السودان المركزي عن نيته طباعة فئات جديدة من الجنيه تحت شعار “تحديث البنية النقدية والمالية”.
لكن ما يبدو إجراءً فنياً يخفي مأزقاً أعمق: فالطباعة في غياب اقتصادٍ حيّ، تحوّل الورقة النقدية إلى وثيقة عجز، لا إلى رمز سيادة.

السؤال الحقيقي ليس ما الذي سيُطبع؟ بل لماذا الآن؟ ومن يملك شرعية إصدار العملة في وطنٍ منقسمٍ على ذاته؟
فطباعة الجنيه في ظل حربٍ مستمرةٍ وانقسامٍ مؤسسي ليست عمليةً نقدية بقدر ما هي فعلٌ سياسيّ لتكريس سلطة الأمر الواقع، وتحويل الشرعية من “الثقة العامة” إلى “الهيمنة المالية”.

لم يعد الجنيه مجرّد أداةٍ للتبادل، بل أداة للسيطرة وسلاحاً ناعماً في حربٍ قاسية.
فقيمته لا تكمن في الورق والحبر، بل في الثقة والغطاء الإنتاجي.
وحين تتوقف المصانع، وتجف الحقول، وتنهار سلاسل الإمداد، يصبح كل جنيهٍ مطبوعٍ رصاصةً إضافية في جسد الاقتصاد الوطني.

التضخم تجاوز 250% في بعض المناطق، وسعر الصرف الموازي تخطّى 1800 جنيه للدولار الواحد، ما يعكس فقداناً جماعياً للثقة.
الجهاز المصرفي شبه مشلول، والبنوك تعمل بأقل من نصف طاقتها، والجمهور يتعامل معها كما يتعامل مع سلطةٍ غريبةٍ لا يثق بها.

الحل ليس في تغيير شكل العملة، بل في تغيير عقل الدولة المالي:
استعادة استقلال البنك المركزي، ضبط الإنفاق العسكري، تفعيل أدوات السياسة النقدية، وتحفيز الإنتاج الزراعي والصناعي كغطاءٍ واقعي للجنيه.
فالاقتصاد لا ينهض بالطباعة، بل بالإنتاج؛ ولا يُصلح بالتصريحات، بل بالثقة.

العملة مرآة السيادة، والجنيه الحقيقي هو الإنسان المنتج والمبدع والمؤمن بوطنٍ يُدار بالكفاءة والعدالة.
لنطبع السلام قبل العملة، ولنستعد الوطن قبل استقرار الأسعار.
فلا نهضة بلا حرية، ولا اقتصاد بلا ديمقراطية، ولا كرامة بلا وقف الحرب.

الاقتصاد لا يُبنى في زمن البنادق، ولا يُصلح بالنشرات الرسمية، بل يُبنى بالسلام، بالإنتاج، وبالثقة التي تنبت فقط في أرضٍ آمنة.

#السودان #الهدف_أخبار #ملف_الهدف_الاقتصادي #الجنيه_السوداني #الاقتصاد_السوداني #طباعة_العملة #بنك_السودان #التضخم #الحرب_في_السودان #الاقتصاد_في_زمن_الحرب #السلام_قبل_العملة #السودان_الآن #StopTheWar #SudanEconomy #Sudan

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.