تُعدّ الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 كارثة إنسانية متفاقمة، يتصدر فيها ملف صحة الأم والطفل قائمة الأزمات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً. ففي خضم النزاع المسلح والنزوح الجماعي وانهيار البنى التحتية، تتعرض الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع – النساء الحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الخامسة – لمخاطر غير مسبوقة تهدد حياتهم ومستقبلهم.
الانهيار الكارثي للخدمات الصحية
أدى القتال إلى تدمير وإغلاق عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية في السودان، خاصة في مناطق الصراع الرئيسية مثل الخرطوم ودارفور. هذا الانهيار يعني حرمان الملايين من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك خدمات الأمومة والطفولة.
• نقص الكوادر والإمدادات: تعاني المرافق القليلة المتبقية من نقص حاد في الكوادر الطبية، التي إما نزحت أو لم تتمكن من الوصول إلى مراكز عملها، بالإضافة إلى نضوب المخزون من الأدوية والمستلزمات الحيوية، وأهمها تلك الخاصة بالولادة ورعاية حديثي الولادة.
• صعوبة الوصول: تُعيق حواجز الطرق وانعدام الأمن والمسافات الطويلة الناجمة عن النزوح وصول النساء إلى الرعاية الصحية قبل الولادة وأثناءها وبعدها. هذا يزيد بشكل كبير من معدلات وفيات الأمهات نتيجة مضاعفات يمكن علاجها أو الوقاية منها، ويُجبر العديد منهن على الولادة في ظروف غير صحية وبدون مساعدة طبية ماهرة.
سوء التغذية والأمراض الفتاكة: تهديد مزدوج للطفولة
الأطفال هم الضحايا الأبرز لهذه الأزمة الصامتة، حيث يُشكّل سوء التغذية وتفشي الأمراض مزيجاً فتاكاً يهدد بقتل جيل كامل.
• أزمة سوء التغذية: من المتوقع أن يعاني ملايين الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، منهم مئات الآلاف يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم المهدد للحياة. تفاقمت هذه الأزمة بسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار وتوقف برامج التغذية المدرسية، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض والوفاة.
• تفشي الأوبئة: يساهم النزوح، والاكتظاظ في مراكز الإيواء، ونقص مياه الشرب الآمنة، وتدهور خدمات الصرف الصحي، والانخفاض الكبير في تغطية اللقاحات، في انتشار الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة والملاريا وحمى الضنك، وهي أمراض تكون أكثر فتكاً بالأطفال الذين يعانون من ضعف المناعة بسبب سوء التغذية.
الأثر النفسي العميق
لا تقتصر الأضرار على الجسد فحسب، بل تمتد لتشمل الصحة النفسية للأمهات والأطفال.
• ضغط نفسي على الأمهات: تعيش النساء الحوامل والنازحات في حالة دائمة من القلق والتوتر والخوف على سلامة أطفالهن وعائلاتهن، مما يؤثر سلباً على صحتهن العقلية وقدرتهن على رعاية أطفالهن الجدد. وقد زادت الضغوط النفسية ومخاطر التعرض للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
• الصدمات على الأطفال: يعيش الأطفال صدمة فقدان الأحباء والديار، والنزوح القسري، والخوف المستمر، مما يهدد بتفاقم الاضطرابات السلوكية والنفسية لديهم ويؤثر على تطورهم الطبيعي وقدرتهم على التعلم مستقبلاً.
دعوة للتحرك الإنساني العاجل
إن إنقاذ حياة الأمهات والأطفال في السودان يتطلب تحركاً إنسانياً دولياً مكثفاً ومستداماً. يجب على جميع أطراف النزاع تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وحماية المرافق الصحية والكوادر الطبية بموجب القانون الإنساني الدولي.
يجب التركيز على:
1. إعادة تفعيل المرافق الصحية ودعم الفرق الطبية في المناطق المتأثرة والنازحة.
2. توفير الإمدادات الطبية العاجلة والأدوية الخاصة بالأمومة والأطفال واللقاحات.
3. توسيع نطاق برامج التغذية العلاجية والوقائية للأطفال والنساء المعرضات للخطر.
4. تأمين مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي لمنع تفشي الأمراض.
5. يأتي وقف الحرب فوق كل هذه الأولويات.
إن صحة الأمومة والطفولة ليست مجرد شأن صحي، بل هي مؤشر لمستقبل الأمة. العالم لا يستطيع أن يقف متفرجاً بينما يتعرض جيل كامل من أطفال السودان لخطر الموت والمرض والحرمان.

Leave a Reply