من انقلاب 25 أكتوبر إلى مفاوضات واشنطن دروس الماضي ورهانات المستقبل

صحيفة الهدف

أمجد السيد

تمر اليوم ذكرى انقلاب 25 أكتوبر 2021، ذلك اليوم المشؤوم الذي قطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي، وبدّد آمال السودانيين الذين خرجوا بالملايين طلباً للحرية والسلام والعدالة. لم يكن الانقلاب حدثاً عارضاً في مسار السياسة السودانية، بل تتويجاً لمخطط طويل رسمته قوى الثورة المضادة من المتأسلمين وأحزاب الفُكّة وبعض حركات الكفاح المسلح التي انحرفت عن شعاراتها الأولى، لتتحول إلى أدوات في يد النظام القديم.

منذ تلك اللحظة، دخل السودان في دوامة من الفوضى والعنف . فبعد أن أطاح الانقلاب بالسلطة المدنية، واجه عزلة إقليمية ودولية تمثلت في تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي ورفض المجتمع الدولي الاعتراف بشرعيته. وبغياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح، انكشفت نوايا الانقلابيين في إعادة إنتاج دولة القهر والاستبداد، حتى انتهى الأمر بالبلاد إلى حرب مدمّرة بين شريكي الانقلاب نفسهما الجيش والدعم السريع.

تلك الحرب لم تكن قدراً، بل نتيجة حتمية لنقض العهود وخيانة الاتفاقات، خاصة بعد نكوص قيادة الجيش عن التزاماتها تجاه الاتفاق الإطاري، الذي كان يمثل فرصة واقعية لاستعادة المسار الديمقراطي، رغم ما شابه من ملاحظات. غير أن التيار الإسلاموي ومراكز القوى المرتبطة بالنظام البائد شنّت حملة شرسة لإفشاله، خوفاً من فقدان نفوذها الذي استعادته عبر الانقلاب. وهكذا، أعادت البلاد إلى مربع الدم والدمار.

واليوم، وبينما تتجه الأنظار إلى واشنطن حيث تجري مفاوضات السلام برعاية الرباعية الدولية، يبدو المشهد السوداني وكأنه يقف على مفترق طرق جديد فإما أن تفتح هذه المفاوضات أفقاً حقيقياً لإنهاء الحرب واستعادة الدولة المدنية، أو تتحول إلى مجرد محطة جديدة في رحلة الخداع والمراوغة التي أتقنها أطراف الصراع على السلطة منذ سقوط النظام السابق.

غير أن العبرة الأهم التي يجب أن يتوقف عندها السودانيون في ذكرى هذا الانقلاب المشؤوم، هي أن التحول الديمقراطي لا يُمنح من فوق، بل يُنتزع من القاعدة الشعبية. وأن أي تسوية لا تُبنى على إرادة الجماهير، ولا تضع العدالة والمحاسبة في مقدمة أولوياتها، لن تثمر سلاماً دائماً ولا استقراراً حقيقياً.

لقد أثبتت التجربة أن التحالف مع قوى الفساد والاستبداد لا يؤدي إلا إلى الخراب، وأن تجاوز الماضي لا يكون بتناسيه، بل بمحاسبة من خان الثورة وسرق أحلام الناس. فالسودان لن ينهض إلا على قاعدة مشروع وطني جديد، يشارك فيه الجميع دون إقصاء، ولكن أيضاً دون إفلات من العقاب.

إن مفاوضات واشنطن يمكن أن تكون فرصة أخيرة لوقف نزيف الوطن، شريطة أن تعي الأطراف أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وأن شعارات الحرب والتمكين سقطت إلى الأبد في وعي السودانيين. ولعل أعظم دروس 25 أكتوبر هي أن الانقلابات مهما طال عمرها، مصيرها الزوال، وأن إرادة الشعوب هي التي تكتب النهاية الحقيقية للطغاة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.