التـ.ـطبيع كخيانة مزدوجة: السودان بين اغـ.ـتيال ديسمبر وتزييف الديمقراطية

صحيفة الهدف

أ‌. ماجد الغوث

#آراء_حرة

كتب وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري مقالًا دعا فيه (إسـ.ـرائيل) لدعم الديمقراطية في السودان، مُقدِّمًا الـ.ـتطبيع وكأنه مفتاح الاستقرار والتنمية. غير أن هذا الطرح يتجاهل حقائق أساسية لا يمكن القفز فوقها؛ كيف يمكن لمن يغـ.ـتصب أرض فلـ.ـسطين ويـ.ـهدم بيوت أهلها أن يكون حليفًا للديمقراطية في الخرطوم؟ وكيف يُنتظر من كيان قام على الاسـ.ـتعمار والاقـ.ـتلاع أن يمنح السودانيين حرية حقيقية؟

أولًا: التـ.ـطبيع مسار انقلابي لا قرار سيادي

لم يكن التـ.ـطبيع حادثة عابرة أو مجرد استجابة لضغوط خارجية، بل جاء تتويجًا لمسار طويل من الانقلابات والانـ.ـحرافات السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر.

• مهّد عبد الفتاح البرهان لهذا المسار بلقائه مع بنيامين نـ.ـتنياهو في أوغندا (فبراير 2020)، حيث أعلن عن اتفاق الجانبين على بدء تعاون يقود إلى التـ.ـطبيع.

• في 23 أكتوبر 2020، أعلن رسميًا عن اتفاق التطـ.ـبيع بين (إسـ.ـرائيل) وحكومة حمدوك، ليصبح السودان خامس دولة عربية توقع اتفاقًا مع (إسـ.ـرائيل)، بعد مصر (1979)، الأردن (1994)، والإمارات والبحرين (2020).

• الإعلان نفسه لم يتم عبر مؤسسات الشعب، بل في مؤتمر هاتفي حضره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والبرهان، وحمدوك، ونـ.ـتنياهو، وبمعرفة وزير العدل نصر الدين عبد الباري، بينما غُيِّب أغلب أعضاء الحكومة.

• ثم تُوِّج المسار بتوقيع إعلان “اتفاقات أبراهام” في الخرطوم (يناير 2021)، تلاه إلغاء قانون مقاطعة (إسـ.ـرائيل) (أبريل 2021).

هذه الخطوات لم تكن “سياسة خارجية” بل أدوات لإعادة هندسة المجال السياسي والاقتصادي السوداني، ولتثبيت منطق الوصاية والانقلاب على روح ديسمبر.

ثانيًا: (إسـ.ـرائيل) لم تدعم الديمقراطية بل الانقلاب

حين وقع انقلاب 25 أكتوبر 2021، كان الاحتلال (الإـ.ـسرائيلي) الجهة الوحيدة في العالم التي سارعت إلى تأييده علنًا. بينما رفض الشارع السوداني الانقلاب وترددت القوى الدولية في الاعتراف به، لم تتردد (إسـ.ـرائيل) في إعلان دعمها للبرهان والحكم العسكري. هذه ليست صدفة، بل تعبير عن طبيعة (إسـ.ـرائيل)؛ تبحث دائمًا عن أنظمة ضعيفة وسلطوية ترتبط بها عبر صفقات أمنية واقتصادية، بعيدًا عن إرادة الشعوب. فهل يعقل أن نصف مثل هذا الكيان بأنه “حليف الديمقراطية”؟

ثالثًا: مسؤولية الداخل لا تقل خطورة

من المضلل اختزال فشل الفترة الانتقالية في الجيش أو الأحزاب فقط؛ فعبد الله حمدوك، بصفته رئيس الوزراء، يتحمل مسؤولية سياسية كاملة عن خياراته: راهن على تفاهمات ضيقة، تجاهل بناء قاعدة شعبية عريضة، وفضّل إدارة الملفات الكبرى في غرف مغلقة. بل ذهب أبعد حين أكد في مقابلة مع صحيفة معاريف العبرية خلال مشاركته في مؤتمر باريس (2021) أن التطـ.ـبيع مع (إسـ.ـرائيل) “سيستمر في كل الأحوال”، حتى في ظل تصعيد الاحـ.ـتلال ضد غـ.ـزة والضفة. هذه المواقف لم تكن زلة لسان بل رؤية سياسية استسلامية.

رابعًا: ردود الفعل الرسمية والشعبية

• مريم الصادق (وزيرة الخارجية): أكدت أن اتفاق التطبـ.ـيع غير مختوم رسميًا، وبالتالي لا وجود عمليًا له.

• فيصل محمد صالح (وزير الإعلام): شدد أن الحكومة غير مفوضة لمثل هذا القرار، ولا يوجد برلمان يُرجع إليه.

• كمال عمر (المؤتمر الشعبي): وصف خطوة البرهان وحمدوك بأنها “ضد الإرادة الشعبية” وأن حمدوك غير مفوض أصلًا وفق الوثيقة الدستورية.

• قوى الحرية والتغيير: أعلنت أن التطـ.ـبيع ليس من قضايا الحكومة الانتقالية.

• الحزب الشيوعي السوداني: أصدر بيانًا يندد بخطوة التطـ.ـبيع.

• البعث العربي الاشتراكي: اعتبر التطـ.ـبيع خيانة لمواقف السودان التاريخية تجاه فلسطين، وذكر بمشاركة السودانيين في حروب 1948، 1956، 1967، و1973 ضد (إسـ.ـرائيل)، مؤكدًا أن الشعب السوداني لم يتخلّ يومًا عن القضية الفلـ.ـسطينية، بل قدّم لها الد.ماء والتضحيات الشعبية والعسكرية.

خامسًا: التطـ.ـبيع كأداة لتفـ.ـكيك الثورة

من منظور قومي، كما يوضح فكر البعث، لا يمكن فصل معـ.ـركة السودان عن معـ.ـركة فلسـ.ـطين. كلاهما جزء من صراع أشمل: مشروع تحرري نهضوي عربي في مواجهة مشروع صـ.ـهيوني– إمبريالي يسعى لتفكيك الأمة وإعادة إنتاج التبعية. التطـ.ـبيع لم يكن “فرصة للتنمية”، بل غطاء لتفكيك الثورة وتحويل السودان من دولة واعدة بعد 2019 إلى تابع إقليمي تُصادر قراراته وتُستـ.ـنزف موارده.

سادسًا: الديمقراطية تُبنى في الداخل لا عبر تل أبيب

إن الديمقراطية الحقيقية لن تأتي من أبواب تل أبيب، بل من إرادة السودانيين أنفسهم: بوقف الحـ.ـرب، وبناء سلطة مدنية، وصون السيادة الاقتصادية (الذهب، الموانئ، التجارة العابرة للحدود)، وتعزيز الوحدة الوطنية. (إسـ.ـرائيل) لم تكن يومًا نصيرًا للحرية أو الديمقراطية، لا في فلـ.ـسطين ولا في السودان، بل هي قوة استعـ.ـمارية تسعى دومًا لتجميل وجهها عبر بوابات الدول الضعيفة.

الخلاصة:

• التطـ.ـبيع في السودان لم يكن سياسة سيادية بل ذروة لمسار انقلابي هدفه تفكيك الثورة.

•( إسـ.ـرائيل) دعمت الانقلاب العسكري، ولن تكون يومًا سندًا للديمقراطية.

• حمدوك والبرهان ونصر الدين عبد الباري يتحملون مسؤولية سياسية وأخلاقية عن هذا المسار.

• الموقف الشعبي والحزبي الرافض للتطـ.ـبيع يؤكد أن السودان، في عمقه، ظل وفيًا لفلـ.ـسطين ولروح ديسمبر.

المـ.ـعركة إذاً واحدة: الحرية في الخرطوم لا تنفصل عن الحرية في القـ.ـدس، ومن يخون الأولى لن يكون أمينًا على الثانية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.