معركة الوعي في زمن الفوضى الرقمية
لم تعد الثقافة اليوم ترفًا معرفيًا أو نشاطًا نخبوياً كما كانت تُصوَّر في عصور مضت، بل أصبحت المجال الأعمق للصراع الإنساني في زمنٍ تتداخل فيه الخوارزميات مع الوعي، وتتنازع فيه الذاكرة الجماعية مع طوفان النسيان الرقمي.
فبينما يندفع العالم نحو (ذكاءٍ اصطناعي) يُعيد تشكيل كلّ شيء، يُطرح السؤال الأكثر خطورة: هل ما زال الإنسان يمتلك حقَّه في تأويل العالم، أم صار مجرد متلقٍّ لما تصنعه الآلات؟
في الفضاء العربي، تبدو الأزمة أكثر تعقيدًا. فالثقافة، التي كانت في جوهرها فعل مقاومة وبناء للهوية، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى ذاكرة متحفية تُستدعى عند المناسبات، بدل أن تكون مشروعًا مستقبليًا حيًا. تراجع دور المثقف لصالح (المؤثر)، وتقدّم (الترند) على (الفكرة)، وصار النصّ العميق يضيع بين آلاف التغريدات العابرة.
وهكذا، لم تعد المعركة بين (الجهل) و(المعرفة) كما كانت في الماضي، بل بين المعنى والسطح، والعمق والضجيج. غير أن الثقافة، حين تعود إلى معناها الأول، أي فعل الوعي والنقد والتحرّر، تظل القلعة الأخيرة التي تحرس إنسانية الإنسان. إنها المجال الذي يُقاوم الاستلاب والتفاهة، ويعيد بناء العلاقة بين الذاكرة والمستقبل، بين ما كنّا وما نريد أن نكون.
ولذلك فإن مهمة المثقف اليوم ليست أن يُجاري العصر، بل أن يُضيء عتمته؛ أن يُعيد للإنسان قدرته على التساؤل، والتفكير، والاختلاف، في وجه عالمٍ يجرّه نحو التشابه والامتثال.
إننا في (الهدف الثقافي) نؤمن بأن الثقافة ليست (ترفًا لغويًا) بل فعلُ بقاءٍ حضاري. ففي زمن العولمة الرقمية، لا تنتصر الأمم بما تملكه من موارد، بل بما تملكه من وعيٍ نقديٍّ قادرٍ على تحويل الذاكرة إلى طاقةٍ خلاقة للمستقبل.
ولأن الوعي هو الجبهة الأخيرة في معارك التحرر، فإننا نفتح هذا الملحق ليكون منبرًا للفكر المقاوم، والجمال الحر، والإنسان الذي لا يتنازل عن حقه في الحلم.

Leave a Reply