غريب بل وفكاهي أنّ الكتاب يريدون حرية مطلقة، حرية دون مسؤولية وهم أول من يفهم، بل ويتشدق، أن الحرية صنو المسؤولية. أتفهم أن المبدع يحتاج حين يبدع أن يشعر بالحرية والانطلاق، لكن الانطلاق التام ملائم لشخص يعيش منعزلا في بيئة غير اجتماعية. لكن متى ما وجد بشر آخرون، ترافقت الحرية بمسؤولية. ولعل نزعة النرجسية التي تعترينا معاشر الكتاب (معظمنا أو بعضنا، وهذه مسألة نتناقش فيها لاحقا) هي التي تدفع بكثير منا إلى أن يطلبوا الحرية الكاملة، المنعتقة من أي سلطة إلا سلطة الضمير الشخصي، وهي سلطة غير موضوعية بطبيعة الحال، ولئيمة في بعض الأحيان.
والأغرب والأفكه أن هؤلاء الكتاب أنفسهم، هم مَن يطالب بممارسات شمولية ورقابية وإقصائية حينما تتضرر مصالحهم أو حينما يعاديهم عادٍ. أي دعونا نترجم هذا الفعل الفصامي المتناقص: “مرحبا، أنا كاتب وأود تقويض أي سلطة تنصب نفسها رقيبا على ما أكتب. لكن في الوقت ذاته أتوقع من المجتمع والسلطة والقضاء أن يضمنوا لي حقوقي، وأن يقتصوا لي ممن ينتقص مني، وأن يسوموا من يدوس على مصالحي سوء العذاب.”
نجد هذا السلوك الفصامي الانتقائي من أدباء يتضايقون حينما يلوح أحد بمقاضاتهم مثلا على نص كتبوه، بل ويحرضون المشرّع على قمع تلك القوانين وأولئك الأفراد “حراس الفضيلة”، غير منتبهين أنهم هم أنفسهم حولوا أنفسهم إلى “حراس الحرية”، الحرية المزاجية. هم يحتفظون لأنفسهم بوافر الحق في مقاضاة من يسرقون كتبهم أو يشتمونهم. لكن في المقابل ممنوع على “صعاليك لا يفهمون الأدب” أن يعترضوا ويلجؤوا إلى القضاء في وجه ما يكتبون. وهذا لعَمْري، سلوك “تطفيفي” واضح.

Leave a Reply