صديق تاور: السودان لا يُحكم إلا بالديمقراطية القائمة على الحرية والعدالة ودستورٍ دائمٍ يصون المواطنة

صحيفة الهدف

#حوارات_الهدف

قال عضو المجلس السيادة السابق والقيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي بروفيسور صديق تاور  على” قناة مصر المستقبل” إن السودان لا يُحكم إلا بالديمقراطية الحقيقية القائمة على الحرية والعدالة ودستورٍ دائمٍ يفصل السلطات ويصون المواطنة.

وأضاف أنه منذ أن أصبحت البندقية وسيلةً للاحتجاج السياسي، اختلّ صوت الديمقراطية أمام صوت السلاح، وكانت النتيجة مأساوية.

“الهدف” تنشر نص لقاء عضو المجلس السيادة السابق بروفيسور صديق تاور  على” قناة مصر المستقبل” مع الإعلامي طه اليوسفي بعنوان: السودان إلى أين؟

في مستهل الحلقة، رحّب الإعلامي طه اليوسفي بضيفه، وقال: في دولة عريقةٍ ذات مزيجٍ فريد من الديمغرافيا والمكان، لها طابع خاص لدينا نحن المصريين، وهي قلبٌ نابض في الأمة العربية، نستعرض المشهد السوداني ونسأل: إلى أين يسير السودان؟

أرحب بضيفي الكريم الدكتور صديق تاور كافي، عضو مجلس السيادة السابق في السودان. أهلاً وسهلاً بك دكتور.

*د. تاور:* أشكرك أستاذ طه على الاستضافة الكريمة، وأحيي قناة مصر المستقبل، متمنيًا أن أكون ضيفًا خفيف الظل على السادة المشاهدين والمستمعين.

وأود أن أحيي مصر قيادةً وحكومةً وشعبًا باسم كل السودانيين والسودانيات، لما نجده من ترحابٍ وحسن استقبال، ومن شعورٍ بعدم الغربة أينما حللنا في أرض الكنانة.

لقد لمسنا خطابًا منسجمًا في الترحيب والتعاطف والتخفيف على الجموع السودانية التي أجبرتها الحرب على النزوح إلى المدن والدول المجاورة، فشكرًا لمصر على مواقفها الأصيلة.

المذيع: تحياتي لك دكتور، وشرف لنا وجودك معنا. فالسودان بالنسبة لمصر ليس مجرد جار، بل هو الضلع الثاني من وادي النيل، تربطنا به الجغرافيا والنسب والتاريخ والتجارة والدم دفاعًا عن العروبة.

لنبدأ إذًا من الجذور: السودان، منذ الاستقلال في الأول من يناير 1956، وحتى 15 أبريل 2023، مرّ بصراعاتٍ وانقلاباتٍ وثوراتٍ متتابعة. ما توصيفك لما يحدث في السودان؟ ولماذا تتكرر الأزمات؟

*تاور:* سؤال كبير ومهم. بالفعل، منذ الاستقلال مرّ السودان بمحطاتٍ حادة على الصعيد السياسي. كان يمكن أن تكون دروسًا لبناء الدولة على أسسٍ سليمة، لكنّنا لم نستفد كما ينبغي.

منذ تمرد الفرقة الاستوائية عام 1954، كان واضحًا أن هناك خللًا في توزيع التنمية والعدالة الاجتماعية، وهو خلل ورثناه عن الاستعمار البريطاني الذي لم يكن حريصًا على وحدة البلاد بقدر حرصه على استنزاف ثرواتها.

وبعد الاستقلال، لم تُتخذ خطواتٌ جادة لمعالجة هذا الاختلال. التنمية ظلت غير متوازنة، مما خلق إحساسًا بالغبن في الأقاليم الطرفية وأنتج اختلالاتٍ سياسية واجتماعية عميقة.

*وتابع قائلًا:* الشعب السوداني شعب تواقٌ للحرية والديمقراطية. مارسها بوعي منذ البداية، لكننا انتكسنا بانقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958، ثم جاءت ثورة أكتوبر 1964 لتعيد الديمقراطية، ولم تدم طويلًا حتى أطاح بها انقلابٌ جديد.

وتوالت الحلقات بين الديمقراطية والانقلابات العسكرية: نظام نميري، فثم البشير، إلى أن أصبحنا ندور في حلقة مفرغة بين حكمٍ مدنيٍ وآخر عسكري.

التجربة السودانية تقول بوضوح إن السودان لا يُحكم إلا بالديمقراطية الحقيقية القائمة على الحرية والعدالة ودستورٍ دائمٍ يفصل السلطات ويصون المواطنة.

*وأضاف:* منذ أن أصبحت البندقية وسيلةً للاحتجاج السياسي، اختلّ صوت الديمقراطية أمام صوت السلاح، وكانت النتيجة مأساوية: فصل الجنوب بعد حربٍ أزهقت أرواح الملايين، ثم نزاعاتٌ متكررة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.

فبدلًا من معالجة المظالم، واجهناها بالعنف والقمع، مما فاقم الأزمة وشوّه نسيج المجتمع.

*وزاد د. تاور:* السودان غنيٌ بإنسانه وثقافته وموارده. مشكلته ليست في التنوع، بل في سوء إدارة هذا التنوع. فالتعدد القبلي واللغوي والديني كان دائمًا مصدر ثراءٍ ووحدة، لا سببًا للصراع.

أذكر أن أحد أساتذتي الهولنديين قال لي بعد زياراتٍ متكررة للسودان: “في كل منطقةٍ أرى نفس الإنسان، بنفس القيم والدفء، هذا الشعب لا يشبه أي شعبٍ آخر.”

تلك هي السودانية الأصيلة التي عبّر عنها الطيب صالح والفيتوري والأدباء الكبار، وليست في هذا البلد مشكلة في التنوع، بل في استغلال بعض النخب للمظالم على نحوٍ غير مسؤول، وفي غياب الوعي لدى السلطة المركزية.

طه اليوسفي: لماذا يصمت الإعلام الغربي تجاه المأساة السودانية؟

*تاور:* هذا سؤال جوهري. الأزمة السودانية هي أكبر كارثة إنسانية في العالم اليوم بحسب تقارير الأمم المتحدة، ومع ذلك تغيب عن الإعلام الدولي تمامًا.

ذلك يفضح زيف الادعاءات الإنسانية، لأنهم لا يهتمون إلا بما يخص مصالحهم.

حتى المساعدات الإنسانية تراجعت، إذ لا تغطي سوى 20% من حجم الأزمة، بينما يعتمد السودانيون على جهود المغتربين والمجتمع المحلي في مواجهة الكارثة.

*وختم د. تاور برسالة واضحة:*

بعد أكثر من عامين ونصف من الحرب، لا بد أن نعترف أن طريق المواجهة والاقتتال طريقٌ مسدود.

لقد جرّبنا القوة وفرض الإرادات، وكانت النتيجة دمارًا وتمزقًا وخسائر بشرية فادحة.

اليوم هناك 17 مليون طالب خارج مقاعد الدراسة، وانتشار للسلاح والمخدرات والفوضى.

من باب المسؤولية الوطنية يجب أن نغادر طريق الحرب إلى طريق السلام، وأن نستجيب للمبادرات مثل مبادرة الآلية الرباعية التي تضم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، لإعلاء صوت العقل والضمير والحكمة.

واختتم الإعلامي طه اليوسفي الحلقة قائلًا:

شكرًا دكتور صديق تاور على هذا الحديث الصريح والعميق، وشكرًا لمواقفك النبيلة.

السودان سيظل بلدًا عريقًا ذا جذورٍ ضاربة في التاريخ، وعودته إلى العروبة تبدأ من أبنائه المخلصين.

اللهم احفظ السودان وأهله، واحفظ الأمة العربية.

تحياتي لكم، كان معكم طه اليوسفي من قناة مصر المستقبل، وسلامي على أهل السلام.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.