أكتوبريات اسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب إيمانًا وبُشرًا…

صحيفة الهدف

أسامة عبد الماجد بوب

في مثل هذا اليوم من عام 1964، خطَّ الشعب السوداني صفحةً جديدة في كتاب الثورات الإنسانية، حين أسقط نظام الفريق إبراهيم عبود العسكري عبر ثورةٍ سلمية خالدة، تحوّلت إلى مدرسة نضالية تستمد منها الأجيال قوة الإرادة وصلابة المواجهة ضد أنظمة القمع والطغيان.

لقد أرست ثورة أكتوبر تقليدًا في الوعي السياسي السوداني، أصبح لاحقِا نبراسًا لانتفاضتي مارس/أبريل ضد نظام مايو، ثم لثورة ديسمبر المجيدة في مواجهة نظام الإنقاذ.

كانت ثورة أكتوبر نموذجًا فريدًا، لأنها لم تكن مجرد انتفاضة سياسية، بل فعل حضاري شاركت فيه كل قوى المجتمع: الجامعات، النقابات، المثقفون، الفنانون، والشعراء. وكان للشعر دورٌ طليعي، إذ خلد القرشي شهيد الانتفاضة الأول، ثم لحقه عبد الله محمد عبد الرحمن، الذي أصيب بطلقٍ ناري في صدره، فرحل لاحقًا، لكنه بقي حيًّا في الوجدان، رمزًا للتضحية والفداء.

ورغم أن عدد الشهداء تضاعف لاحقًا، في مقاومة نظام مايو وفي ثورة ديسمبر، التي شهدت أبشع أشكال القمع، فإن أكتوبر ظلّت هي العنوان الأول للاحتفاء والرمز المؤسس لذاكرة التحرر. فأغنيات محمد وردي، ومحمد الأمين، وكابلي، وزيدان إبراهيم، والعطبراوي وغيرهم، لم تكتفِ بالتمجيد، بل حولت أكتوبر إلى أيقونة وطنية، نبضها الشعر، وصوتها الأغنية، وروحها الجماهير.

وفي ديسمبر 2018، تجددت روح أكتوبر، لكن بأدوات تعبير أكثر تنوعًا، حيث تسيد الفن التشكيلي جدران الثورة، وبرز الاعتصام –وخاصة اعتصام القيادة العامة– كملحمة إنسانية أعادت تشكيل الوجدان الوطني، قبل أن يتحول فضُّه إلى جري-مة تاريخية ستظل شاهدة على قسوة الاستبداد.

واليوم، في ظل الحرب، التي تعصف بالوطن، وتشتت أبناءه بين المنافي والميادين وخنادق الخوف، يعود صدى أكتوبر ليقول إن قدر الشعوب العظيمة أن تُجرّب المحن، لكنها لا تُهزم. فكما واجه السودانيون دكتاتورية البندقية في 1964 بلا سلاح إلا الكلمة والموقف، يواجهون اليوم انقسام الوطن بذات الروح: وعيٌ لا يُشترى، وإيمانٌ بأن الحرية لا تتجزأ، وأن الوطن لا يُبنى بالسلاح، بل بالتضحية والوحدة والعدل. إن أكتوبر، بما هو ضمير وطن ، لا يزال ينادينا: أن لا نستسلم للفوضى، وأن نعيد للسودان حقه في دولة مدنية عادلة، تحفظ كرامة الشهداء وتكتب دستور الحياة بعد زمن الخراب

ورغم اختلاف الأزمنة وتنوع الوسائل، تبقى أكتوبر عيدًا للوعي، وموسمًا دائمًا للاستلهام. منها استعار الشعب لغته في المقاومة، وبها تشكلت أناشيد مجده:

اسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب إيمانًا وبشرًا

وعلى الغابة والصحراء يلتف وشاحًا

وبأيدينا توهجت ضياءً وسلاحًا

فتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرًا

سندُقُّ الصخر… حتى يخرج الصخر لنا زرعًا وخضراً

ونرود المجد… حتى يحفظ الدهر لنا اسماً وذكرًا

باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني

الحقول اشتعلت قمحًا ووعدًا وتمنّي

والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي

باسمك الشعب انتصر…

حائط السجن انكسر…

والقيود انسدلت جدلة عرس في الأيادي.

أكتوبر ليس تاريخًا على التقويم، بل روح أمةٍ تعاهدت أن لا تنكسر.

20 / أكتوبر / 2025

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.