قلم: ماجد الغوث
مدخل:
تعقيبًا على افتتاحية صحيفة الهدف بمناسبة الذكرى الـ61 لثورة أكتوبر 1964، بعددها الصادر يوم الاثنين بتاريخ 15 أكتوبر 2025.
هذه الثورة التي تُعتبر أول ثورة شعبية في الوطن العربي وأفريقيا، أسقطت نظام 17 نوفمبر 1958 الديكتاتوري.
أسباب قيام ثورة 21 أكتوبر 1964:
1. نزوع نظام عبود العسكري إلى تكميم الأفواه بعد أن خان الثقة الممنوحة له من القوى السياسية التقليدية – الأمة والشعب – التي سلّمته الحكم وظنّته المخرج الأخير لها من فشلها في إدارة الحكم.
2. تهجير أهالي مدينة حلفا ورفض تعويضهم ماديًا، بحسب ما نصّ عليه الاتفاق مع مصر لبناء السد العالي.
3. محاولة فرض عملية الأسلمة والتعريب قسرًا في جنوب السودان.
4. القبضة الأمنية الباطشة ضد التيارات السياسية والنقابات المهنية والعمالية التي ثارت ضده بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
5. الغضب الشعبي العام من سياسة الاستبداد والشمولية والديكتاتورية والفساد والقمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان.
6. الاحتجاجات ضد حلّ النقابات وحالة الطوارئ، والتضامن مع المعتقلين السياسيين.
7. المطالبة برفع الأجور.
8. الفشل في تسوية مسألة جنوب السودان عن طريق الحل الديمقراطي، باللجوء إلى الحرب.
9. وصول وفد أميركي لمناقشة عبود حول تشكيل حلف يضم السودان والأردن والسعودية لمحاصرة مصر الناصرية، التي وسّعت من علاقاتها مع حركات التحرر في الوطن العربي، لأن مصر الناصرية التزمت الوقوف مع ثوار الجزائر ومدّهم بالسلاح لإخراج فرنسا من أراضيهم، وكذلك مدّ اليمن بالسلاح والخبراء المصريين.
القوى التي عملت على حشد وتفجير الثورة:
جبهة الهيئات، وجبهة الأحزاب. وقد أعلنتا الإضراب العام الذي شلّ الحياة تمامًا، كما تعاطف صغار الضباط في المؤسسة العسكرية مع المنتفضين، ورفض الجنود الاستمرار في قمع الثوار.
وقد استطاعت جبهة الهيئات بنضالها استعادة المسار الديمقراطي الذي خرّبته جبهة الأحزاب التقليدية بتسليمها السلطة للجيش في العام 1958، وهي أحزاب الأمة والشعب والاتحادي.
ثورة أكتوبر ترسّخ تقاليد النضال السلمي:
العمل السلمي نوع من المقاومة التي تسعى إلى تحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية العامة، كإحداث التغيير الاجتماعي والسياسي والقانوني عبر الاحتجاجات الرمزية أو العصيان المدني أو عدم التعاون الاقتصادي أو السياسي.
وهي طرق تتصف باللاعنف، وهو نوع يبرز تطلعات ورغبات الأفراد أو الجماعات الذين يريدون إحداث تغيير، كما حدث في ثورة 21 أكتوبر 1964 التي تُعتبر أمّ الثورات الوطنية في تاريخنا الوطني بعد الاستقلال، وقد سار شعبنا وقواه الحيّة على هذا المنوال ونحَت في مجراها الثوري انتفاضة 1985، وديسمبر 2018.
العلاقة الجدلية بين المقاومة السلمية والعصيان المدني:
العصيان المدني شكلٌ من أشكال العمل السياسي الساعي إلى الإصلاح بالضرورة، وتُوجَّه مساعيه عادةً إلى معارضة قوانين معينة أو مجموعة من القوانين.
والمقاومة السلمية السياسية تكون نهايتها ثورة لإسقاط النظم العسكرية، كما حدث في أكتوبر وأبريل وديسمبر.
وهي يجب أن تحافظ على سلميتها التي تكسبها الشمول وشرعيتها الثورية.
أوجه الشبه بين حكومات أكتوبر وأبريل وديسمبر:
تعاقبت خمس حكومات بعد ثورة أكتوبر لم تستمر أيٌّ منها أكثر من 11 شهرًا. وفي ظل هذا الجمود والشلل، تدخّل الجيش بانقلاب عسكري في مايو 1969.
كما تعاقبت ثلاث حكومات بعد انتفاضة أبريل 1985، مما أدى إلى تدخل الجيش بانقلاب عسكري مسنود من الحركة المتأسلمة عام 1989.
كما تشكّلت حكومتان بعد ثورة ديسمبر 2018، أعقبهما أيضًا انقلاب عسكري مسنود من الحركة المتأسلمة عام 2021 ضد الثورة.
الخلاصة:
قدّمت ثورة 21 أكتوبر 1964 نموذجًا فريدًا في السودان، استحقت أن تُسمى أمّ الثورات الوطنية بعد الاستقلال في العام 1956.
كما تُعتبر أول ثورة وطنية في الوطن العربي وأفريقيا ضد نظام عسكري.
فهي ثورة ملأت الفراغ فيها جبهة الهيئات من نقابات واتحادات الأطباء، والقضاة، والمحامين، والطلبة.
هذه الجبهة التي قادت ثورة ضد نظام 17 نوفمبر 1958 العسكري، باتباع أسلوب الإضراب السياسي العام والعصيان المدني.
وفتحت الباب أمام القوى السياسية والمدنية لممارسة حياة ديمقراطية، كما فتحت الباب أمام العمل النقابي، بجانب دخول المرأة إلى ساحة العمل السياسي وظهور دورها المتميز في ثورة ديسمبر العام 2018.

Leave a Reply