كمال باشري
#ملف_الهدف_الثقافي
مررتُ على صديقي في منزله لنذهب سويًّا إلى عقدِ قرانِ ابنِ صديقٍ مشترك، وكنت أرتدي جلبابًا ناصعَ البياض وعمامةً كذلك، فأعجبه مظهري وعلّق:
“لتكتمل هيبةُ مظهرك، ينقصك شالٌ يتدلّى بين كتفيك”.
قلتُ له إنني لا أملك شالًا، فدلف إلى غرفةِ والده وخرج منها يحمل شالًا كشميريًّا فخمًا، قام بوضعه بين كتفيّ.
كنتُ أعلم أن الشالات الكشميرية تعود إلى إقليم كشمير في جبال الهملايا، حيث يُعتبر هذا الفنّ جزءًا من التراث الثقافي للمنطقة. كانت تُصنع قديمًا يدويًّا من صوف الماعز، وتُقدَّم كهدايا للملوك والنبلاء، ممّا زاد من قيمتها الرمزية. ويُعدّ امتلاكُ شالٍ كشميريٍّ دليلًا على الرفاهية.
استحضرتُ هذه المعلومة وأنا أصلح الشال مزهوًّا به، وقد قرّرتُ في نفسي ألّا أُعيده، فوالده رجلٌ مسنّ لا يخرج من بيته إلّا لمامًا.
شعرتُ بالدفء في بردِ القاهرة الذي لم نعتده بعد نزوحنا إليها، وأنا ألفّ الشال حول صدري في طريق عودتنا من المناسبة. ولما أخبرتُ صديقي برغبتي في اقتناء شالٍ كشميري، أراحني بقوله:
“عموماً هو لا يستعمله، ويمكنك الاحتفاظ به”.
عدتُ إلى بيتي، وأعدتُ طيَّ الشال ووضعته بين جلابيبي في الدولاب. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى أُصيب والدُ صديقي بنوبةِ ارتفاعٍ حادّةٍ في ضغط الدم، أسلمَ على إثرها روحه بعد ساعاتٍ من نقله إلى المستشفى.
دارت في رأسي ما يمكن تسميته بـ”أضغاث أفكار” عن الشال الكشميري ووفاة صاحبه، والشيطانُ يدخل هنا حين يجد الباب مفتوحًا بأسئلةٍ مثل:
ماذا لو أنني لم آخذ ذلك الشال؟
هل لذلك علاقةٌ بوفاته؟
وهل كان عمره سيطول لو أنني أعدتُ إليه شاله؟
وجدتُ نفسي سارحًا في أفكارٍ لا معنى لها، فاستعذتُ بالله من الشيطان الرجيم وطردتُ تلك الخواطر السمجة من بالي. فالرجلُ قد حان أجله المكتوب، ولن يُنجيه منه الشال الكشميري.
مضت الأيام، وبعد فترةٍ قصيرة قرّر جاري المسنّ العودة إلى السودان، بعد أن بُترت رجله من فوق الركبة لتأثّرها بداءِ السكري وإصابتها بغرغرينةٍ اكتُشفت بعد فوات الأوان.
في اليوم المحدّد لسفر جاري وعودته، ذهبتُ لوداعه قبل أن يخرج من المنزل الذي ستبقى فيه ابنته وأطفالها، وكان مهندمًا بجلبابٍ وطاقية. رأيتُ أن أتبرّع له بالشال الكشميري الذي سيُعينه في الطريق البرّي الطويل، يقيه الأتربة والغبار، ويكون غطاءً له حال نومه في الليل.
بعد وصول جاري إلى بيته، تواصلنا بالهاتف، وأخبرني بمدى سعادته وهو بين أهله في بلده، وقال إنه سيحتفظ بالشال الكشميري كهديةٍ مفيدة، وشكرني عليه.
لكن بعد مضيّ شهرٍ من سفره، دخلت عليّ ابنتي تُخبرني أن جاري اضطرّ إلى دخول المستشفى لمضاعفاتٍ في رجله المبتورة، غير أنه لم يتمكّن من إجراء العملية الأخرى، وتُوفي قبل موعدها بيومٍ واحد.
#لعنة_الكشميري
#كمال_باشري
#الهدف_الثقافي
#قصة_سودانية
#الكتابة_السودانية
#ملف_الهدف_الثقافي
#سرد_سوداني
#الثقافة_والوجدان
#القاهرة
#السودان_الثقافة_والأدب

Leave a Reply