خليل النعيمي
كاتب من سوريا
#ملف_الهدف_الثقافي
غدًا ستنتهي الحرب، إذ لا بدّ للحرب من أن تنتهي. فالحرب فاصلة في مسار الوجود، والحروب ليست أبدية، وكذلك هي الظروف الكونية التي تشعلها. لكن ما لا ينتهي هو بؤس اللامبالاة الإنسانية، وخيانة القريب للقريب، والتواطؤ مع الاستعمار تحت أي مسمّى ولأي مبرّر كان، وخذلان الصديق للصديق.
عندما تنتهي الحرب، لن تنتهي الحياة، بل ستبدأ من جديد. تبدأ بمشاعر أخرى لا علاقة لها بالمشاعر الثقيلة التي كانت تفعمنا من قبل، وبآمال حرّة أفرزتها قوة المقاومة التي لم تنخدع بمظاهر الاستعمار المشهدية التي لا مآل لها سوى الاندحار. فالمقاومة، التي هي حركة تاريخية أيًا كان الاستعمار الذي تقاومه، خارجيًّا أو داخليًّا، هي التي ستفرز رؤى المستقبل الجديدة، وهي التي ستكرّس الأمل الإنساني الوليد.
الحرب ضدّ الاستعمار تمرين على تجديد الوجود، أيًا كانت الأثمان التي ندفعها، لأنّ هدفها الحرية. والحرية لا تُستجدى، وإنما تُنتزع انتزاعًا من مخالب الاستعمار. والمقاومة الفلسطينية، كيفما نظرت إليها، لا تشذّ عن هذه القاعدة. فالخضوع للاستعمار موت أبديّ، والمقاومة هي الحل الوحيد للخلاص من موتٍ مخجل كهذا.
في هذا الواقع المتفجّر اليوم، يبدو موقف العرب كارثيًّا، بل يكاد أن يثير الشفقة والاشمئزاز. ليس لأنهم، إزاء هذه الحرب التاريخية، محايدون إلى درجة تثير الريبة في موقفهم، أيًا كانت التفاسير الباطلة له، بل لأنهم يبدون عاجزين حتى عن الدفاع عن هذا الموقف الهزيل وغير النبيل.
لماذا يفعلون ذلك؟ لأنهم يخافون من الصراع مع الاستعمار الذي لا يخاف منهم، ويحاولون عبثًا تأجيل المواجهة معه. لكن المؤجّل بالنسبة للاستعمار يعني الاستسلام. والاستسلام لا يُهدّئ الاستعمار، بل يحفّزه على التمادي في التهام الأرض التي هو بحاجة إليها ليصبح أكثر قدرة على إلحاق الأذى بالمستعمَرين. وهكذا سيأكل الاستعمار الصهيوني من لا يقاومه، وأولهم أصدقاؤه المسالمون.
الاستعمار ليس عقلًا، كما كان يمكن لعبد الله القصيمي أن يقول، ومقاومته لا تكون بالحكمة، ولا باللين، ولا بالتواطؤ، ولا بالرضوخ، وإنما بالمقاومة. وليس على المقاومة أن تنتصر فورًا، لكنها ستنتصر في النهاية. فليس في التاريخ مقاومة خاسرة، حتى إن قال المؤرخون غير ذلك، لأن هناك مقاومات ذات نتائج مؤجلة، أو تنتصر على دفعات، أو “فيما بعد”. هذا لا يهم، فالمهمة الأساسية للمقاومة هي كبح جماح التوحش الاستعماري.
والاستعمار دائمًا سريع العطب، حتى لو بدا في مرحلة من مراحله شديد العنف، فعنفه المتوحش ليس دليل قوة بقدر ما هو علامة على انهياره الذي غدا متوقعًا. وعلى المقاومة، خاصة في مثل هذه الحال، أن تبقى عصيّة على الارتداد.
وفي النهاية، علّمتنا تجاربنا التاريخية أن السياسة ليست فنّ الممكن كما يدّعون، بل فنّ المستحيل. ومن تجاربنا أيضًا، أدركنا أننا نحن العرب مسحورون بالسلطة، في حين أنّ الشعوب التي تخلّصت من هيمنة سلطاتها تسحرها الحرية.
وبالإضافة إلى عبادتنا للسلطة، نملك فنّ التلاعب بالكلمات، حتى صرنا نسمّي الاستعمار الصهيوني “احتلالًا”. لكن هذا التخفيف المزري لا يخفف من قسوة الواقع شيئًا، وإن كان اللفظ أخف وطأة على القلب. فالمحتلّ لا يحتلّ الأرض فحسب، بل العقول والنفوس قبل كل شيء، والأمثلة على ذلك في مجتمعاتنا العربية أكثر من أن تُنكر.
#ملف_الهدف_الثقافي
#خليل_النعيمي
#الحرب_والحرية
#المقاومة_الفلسطينية
#السياسة_والتاريخ
#صوت_الأمل
#الواقع_العربي

Leave a Reply