
د. منال جنبلان
“هذا مولد عهد جديد في مسيرة الأغنية السودانية، بزغ فجأة وكنا نحن في انتظاره منذ حين، ذلك لأن أغنيتنا السودانية في حاجة له، ومجتمعنا المتطور متطلع إليه، والآن المرأة السودانية وقد انفكت من أسرها وظهرت في كل الميادين وأبدعت في شتى الضروب — لا يجدر بها أن تتخلف عن ميدان الكلمة النابضة من القلوب شأنها في ذلك شأن رصيفاتها في البلدان الأخرى”.
هكذا كتب الشاعر مبارك المغربي في مقدمة الديوان الذي أنتجته الشاعرتان حكمت ياسين وصديقتها آمنة خيري باسم “مشاعر”.
وقد تناولت الساحة الغنائية السودانية من قصائدهما، سوية مع ثالثتهن الشاعرة السمرقندية محمد المحتسب، تجربة فريدة وطليعية لشاعراتٍ فرضن بصمتهن على نغم الفن السوداني. فما ذُكرت حقبة السبعينات وأوائل الثمانينات إلا وكانت ظاهرة الشواعر الثلاث في صدر إنجازات الفن السوداني الشعبي أولاً، ثم الغناء الحديث.
حجزت الشاعرات مكاناً متقدماً بين الشعراء، خاصة في مجال الغناء الشعبي. وعندما نتحدث عن شعر الغناء الحديث، فإننا نميّزه عن الغناء التقليدي الذي برعت فيه المرأة منذ أقدم العصور، وسُمي بأغاني البنات.
اقتحمت الشواعر الثلاث مجالاً ظل محتكراً للرجال لفترة طويلة — وهو الشعر الغنائي — وقدمن تجارب شعرية وفق أحدث ما وصل إليه هذا الفن من خلال عمالقة الساحة الفنية مثل التجاني حاج موسى، محمود فلاح، وعوض جبريل.
وقد لفتت تلك التجارب أنظار العمالقة إلى موهبتهن، وإسهامهن في إثراء الغناء السوداني بأعمالٍ تاريخية توزعت بين عدد من فناني القمة، أبرزهم كمال ترباس، عبد الله محمد، عبد الوهاب الصادق، وحتى شرحبيل أحمد.
امتلكت الشواعر الثلاث المهارة والقدرة على التعبير عن هموم وقضايا المرأة العاطفية في زمنٍ كان من الصعب على المرأة أن تبوح بحبها. كتبن بلغةٍ متطورة وصورٍ جميلة ومعبرة، منسجمة مع روح الشعر الغنائي الحديث وما وصل إليه من تطور.
ففي حين كتبت حكمت ياسين معاتبة الحبيب الذي خان:
صدقني ما بقدر أعيد
قصة غرام بالشوق بدت
رحلة عذاب دابا انتهت
كيف تاني ترجع من جديد
كانت آمنة خيري تتذكر الريدة الأولى:
قصة الريد القديمة
بسألوني عليها ديما
كلما حاولت أنسى
صحو ذكراها الأليمة
كتبتها في بداية مسيرتها الشعرية عندما سُئلت من رفيقاتها عن الحبيب الذي كان، وأكملتها بعد سنوات، ليتغنى بها ملك الغناء الشعبي عبد الله محمد.
وكما كانت آمنة شاعرة ملهَمة، كانت أيضًا الملهِمة للشاعر عبد الله إمام الذي نظم فيها قصيدته الشهيرة “زعلانة ولا شنو الحصل”.
فقد شكّ في ساعي البريد كما قال في قصيدته “أنا عندي شك ساعي البريد نايم عمل..شاف الحروف نديانة بيك خلاني أحمل ليك زعل “، لكنه لم يتلقَّ رد الخطاب حتى رحل عن الدنيا، تاركًا خلفه قصة حب معلقة في الوجدان.
أما السمرقندية محمد المحتسب، فكانت الجانية في “غدر الزمن”. رفضت الحب المجدول بالأشواق من عاشقٍ فقد عقله “في درب الريد والهوى”، فلما حنّت كان الزمان قد غدر ومضى إلى اللاعودة. فنظمت القصيدة وأهدتها إلى الحنين المرهف عوض جبريل، فألبسها لحناً أسياً تغنى به عبد الله محمد في الثمانينات، وأعاد إحياءها محمود عبد العزيز في ألبومه “يا عمر” عام 1995، لتخلّد الأغنية في ذاكرة الفن السوداني.
على خلاف بعض الفنانين الذين كتبوا أشعارهم مثل الكابلي والطيب عبد الله وخليل فرح، لم تُعرف من بين المغنيات الحديثات من ألفت أغانيها بنفسها. ومع ذلك، يحفظ تاريخ الفن مساهمات الرعيل الأول من النساء — وعلى رأسهن الشواعر الثلاث، وفاطمة خميس، وحواء الطقطاقة، ومطربات التم تم — اللواتي أغنين الفن السوداني الشعبي، سواء في غناء البنات أو الأغاني الوطنية والاجتماعية التي شكّلت وجدان الشعب السوداني عبر العقود.
#الشاعرات_الثلاث
#المرأة_السودانية
#المرأة_والمجتمع
#شاعرات_السودان
#حكمت_ياسين
#آمنة_خيري
#السمرقندية_محمد_المحتسب
#إبداع_المرأة
#الفن_السوداني
#ملهمات_من_بلادي
Leave a Reply