
مقدمة
شهد الوطن العربي منذ العام 2019 موجة جديدة من الحراك الشعبي، اتسمت بالسلمية والوعي السياسي المتزايد، وجاءت كتاباتنا السابقة كمحاولة لفهم هذه الظاهرة وتحليلها في سياقها التاريخي والسياسي. وتم تقديم الرؤيا النقدية والاستراتيجية للحراك الشعبي، متناولين أبعاده الفكرية والاجتماعية، ومحذرين من محاولات القوى الخارجية لتجييره لمصالحها الخاصة.
وقد سبق وأن تم تناول انتفاضات الشباب العربي بعد 2019، وتم تحليلها وشرح رؤيتنا للحراك، وموقفنا من التدخلات الخارجية. فقد سبق استعراض تطور الحراك الشعبي العربي الذي مرَّ عبر ثلاثة أجيال هي : الكفاح الشعبي المـ.ـسلح، والحراك المسلـ.ـح الذي رافق انتفاضات 2011، والحراك السلمي بعد 2019، الذي بدأ في العراق ولبنان والذي يتميز بـالسلمية والبعد عن العـ.ـنف المـ.ـسلح، على عكس المراحل السابقة. (1) كما تمت دراسة ظاهرة الحراك الشعبي في مرحلة ما قبل ربيع الشباب العربي، وهي تأصيل تاريخي للحراك الشعبي العربي، وتحليل أسباب فشل انتفاضات 2011 (2). وقد تم تحديد جوهر قوة الحراك بأنه: (قوة الحراك الشعبي تُقاس بقوة مطالبه ومشروعيتها الشعبية: “لا تُقاس قوة الحق بعدد من يطالب به، بل بما يمتلك من شرعية إنسانية ووطنية، وبقوة تعبيره عن الحقوق الشعبية بالعدل والمساواة.” (3) كما تمت مناقشة وتحليل ( الحراك الشعبي وملاذاته الآمنة: دراسات في الحراك الشعبي العربي). (4) والخلاصة الفكرية كانت: إن الحراك الشعبي هو تعبير عن الحق في مواجهة القوة وأن الوعي الشعبي والاستقلال عن القوى الخارجية هو السـ.ـلاح الحقيقي للثورة السلمية.
وإن أهمية الحراك السلمي تكمن في أنه “يعني حراكاً نابعاً من حرص الشعب على المحافظة على ممتلكات الدولة أولاً، وثانياً أن يبتعد كلياً عن التعاون مع أية قوة أجنبية تزعم أنها تساعده على الضغط على حكومته لانتزاع تلك الحقوق.”
كما وتتحمل الأنظمة الرسمية عسكرة الحراك “بفعل إصرارها على قطع وسائل الحوار الديموقراطي مع الجماهير المنتفضة من جهة، ومن جهة أخرى بفعل استغلال الدول الخارجية التي ركبت موجات الحراك الشعبي العربي لسرقة نتائجه.”
والخلاصة أن الحراك الشعبي بعد 2019 هو تطور طبيعي في مسار النضال العربي، لكنه يحتاج إلى قيادة شعبية واعية، مستقلة، تضع أهدافاً واضحة وتحمي الحراك من الانحراف أو الاستغلال. وأن هذا النوع من الحراك هو الأمل في بناء دولة وطنية حديثة، بعيداً عن الاستعمار والطائفية.
وفي طبيعة النظام السياسي سبق أن جرت مراجعة للنظام الطائفي السياسي في لبنان، كمنهج تاريخي متخلّف (1) ، إذ يُعدُّ نموذجًا فريدًا في العالم العربي، حيث تُوزّع السلطة على أساس الانتماء الديني والطائفي، لا على أساس المواطنة أو الكفاءة. هذا النموذج، الذي تأسس تاريخيًا في ظل الاستعمار العثماني والفرنسي، يُكرّس الانقسام الأهلي ويُعيق بناء الدولة الحديثة، داعين إلى تجاوزه عبر بناء دولة مدنية علمانية.
وفي مقارنة التشابه مع أنظمة في أقطار عربية أخرى فإن التشابه قائم بينه وبين العراق، بعد 2003، الذي تم فيه تبنّى نظامًا قائمًا على المحاصصة الطائفية شبيهاً بالنظام الطائفي السياسي قي لبنان، مما أدى إلى تفكك الدولة وصعود الميليـ.ـشيات. بينما نرى أن النموذج العراقي يُعيد إنتاج الفشل اللبناني، ويُحذّر من تعميمه في الوطن العربي. كما ان النظام السوري السابق قدّم نفسه كنظام علماني، لكنه كان يُمارس سياسة طائفية عبر تحالفات أمنية وطائفية.
وعلى خلاف الأنموذج اللبناني، فإن الطائفية في سورية لم تكن دستورية، بل أمنية وسياسية. ولكن غياب الطائفية الدستورية لا يعني غياب الطائفية الفعلية، لذا فان كشفها وتفكيكها هو الحل السياسي الجوهري.
وإذ نقدِّم نقدًا جذريًا للنظام الطائفي اللبناني، نحذّر من إعادة إنتاجه في المنطقة. وبالمقارنة مع العراق وسورية، يتضح أن الطائفية ليست قدرًا، بل خيارًا سياسيًا يمكن، بل يتحتَّم، تجاوزه عبر بناء دولة مدنية تُؤسَّس على المواطنة لا الانتماء العرقي أو الطائفي. لكن هذا يتطلب إرادة شعبية، ونخباً فكرية وسياسية قادرة على صياغة مشروع بديل .
وفيما يلي دراسة موجزة تهدف إلى تبيان أهمية دور انتفاضات الشباب العربي في إعادة ترسيخ المواطنة وبناء الدولة الوطنية في عدد من الأقطار العربية.
قراءة فكرية في انتفاضتي تشرين في لبنان والعراق:
لأن الانتفاضتين حصلتا في شهر واحد بأسبقية أسبوعين تقريباً للانتفاضة العراقية، ستتم المقاربة بينهما لأنهما يعبران تعبيرًا عن وعي شعبي جديد يسعى إلى تفكيك الأنظمة الطائفية السياسية في المشرق العربي. وسيتم تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الحراكين، وكيف يشكلان بداية مسار تغييري طويل، رغم التحديات والتضحيات والانكسارات.
في خريف 2019، شهد كل من لبنان والعراق انتفاضة شعبية واسعة ضد الأنظمة الطائفية الحاكمة، عُرفت باسم “انتفاضة تشرين”. ولم تكن أيًا منهما مجرد احتجاجات ظرفية، بل لحظة تاريخية كاشفة لانهيار المنظومة الطائفية، وبداية لتحول سياسي واجتماعي عميق.
1- انتفاضة لبنان:
وقد تميزت تلك الانتفاضة بما يلي:
– الحدث كتحوّل نوعي: إن الحراك اللبناني عبّر عن تراكم نضالي طويل، وكشف هشاشة النظام الطائفي أمام وحدة الناس في الشارع.
– كسر الحواجز الطائفية: تجاوزت الانتفاضة الانقسامات المناطقية والطائفية، وخلقت خطاباً سياسياً جامعاً، رغم محاولات التشويه والاحتواء.
-الوعي الشعبي الجديد: صاغ الشباب اللبناني لغة سياسية جديدة، غير مؤدلجة، ترفض التبعية الحزبية والطائفية، وتُطالب بدولة مدنية.
2-انتفاضة العراق:
ومن أبرز ما ميز تلك الانتفاضة بما يلي:
– الطائفية كأداة احتلال: نرى أن النظام العراقي بعد 2003 أوجد، ولأول مرة، الطائفية السياسية عبر المحاصصة، مما أدى إلى تفكك الدولة وصعود الميليشيات.
– التشابه مع لبنان: “ما يجري في العراق ليس بعيدًا عن لبنان، فالمحاصصة الطائفية هناك تُعيد إنتاج الفشل ذاته، وتُغذّي الانقسام والارتهان للخارج “.
ولهذا فإن الحراك العراقي عبّر عن وعي شبابي ووطني، يرفض الطائفية والفساد والهيمنة الخارجية، خصوصًا الإيرانية.
3-المقارنة الفكرية بين الانتفاضتين
• في لبنان: سبق وأن تم تشكيل النظام ليكون طائفياً دستورياً منذ المتصرفية في العام 1864. وكانت دوافع الانتفاضة هي تفشي الفساد، والانهيار الاقتصادي، ورفض الطائفية. وكانت طبيعة الحراك أفقي، شبابي، غير مؤدلج. وقد ردَّت السلطة عليه بالتشويه، والقمع الناعم، ومحاولات للاحتواء. والنتيجة المفترضة سوف تكون بداية تفكك النظام الطائفي.
• في العراق: شكل المحتل الأمريكي النظام ليكون طائفياً سياسياً. وكانت دوافع الانتفاضة هي: فساد، بطالة، رفض الهيمنة الإيرانية. أما الحراك فكان: شبابي، وطني، مناهض للأحزاب الطائفية. وكان رد السلطة: قمع دموي، اغتيالات، تشويه إعلامي. والنتيجة المفترضة: بداية تفكك الهيمنة الإيرانية.
وفي الخلاصة: إن الانتفاضتين تُعبّران عن لحظة تاريخية كاشفة لانهيار المنظومة الطائفية في المشرق العربي. لكن هذا الانهيار لن يكون سريعًا، لكنه بدأ فعليًا، وأن الحراك الشعبي هو التعبير الأول عن هذا التحوّل. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان الدعوة إلى ضرورة البناء على هذه اللحظة، وتطويرها إلى مشروع سياسي مدني يُؤسس على المواطنة. وعلى ألاًّ تُفهم انتفاضتا تشرين في لبنان والعراق كأحداث معزولة، بل كجزء من مسار تاريخي طويل نحو تفكيك الطائفية السياسية في المشرق العربي. ورغم التحديات، فإنهما تُعبّران عن وعي جديد، يُمكن أن يُشكّل نواة لمشروع مدني عقلاني، يُعيد بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة.
الانتفاضات العربية خارج لبنان والعراق:
منذ العام 2011، شهد الوطن العربي موجة من الانتفاضات الشعبية التي هزّت أنظمة استبدادية وطائفية، من سورية وتونس ومصر والسودان والجزائر وغيرها. وهي ليست أحداثًا معزولة، بل تعبير عن مسار تاريخي واحد يسعى إلى تفكيك البنية السياسية التقليدية في الوطن العربي. وفيما يلي سيتم تحليل هذه الانتفاضات، وكيف نربط بينها، وما الذي يجعلها لحظة تأسيسية لمشروع عربي جديد.
1 -الانتفاضات كحراك بنيوي لا ظرفي:
إن هذه الحراكات ليست مجرد ردود فعل على أزمات اقتصادية أو فساد فحسب؛ بل هي تعبير عن خلل بنيوي في طبيعة الدولة العربية الحديثة، التي تأسست على الاستبداد السياسي، والتبعية للخارج، والانقسام الطائفي أو القبلي. وإن الانتفاضات التي جرت على الساحتين العراقية واللبنانية، أخذت تقلب كل حسابات الخارج التي اطمأنت إلى متانة إمساكها بقرار الساحتين، كما أخذت تقلب كل حسابات الداخل الذي اطمأن إلى أن الطائفية السياسية هي الحصن المنيع الذي يحمي مصالحه.
2- الترابط بين الإنتفاضات:
إن هناك خيطًا ناظمًا يربط بين انتفاضات تونس، مصر، سورية، البحرين، السودان، الجزائر، ولبنان والعراق، يتمثل في رفض البنية السلطوية التقليدية، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وتجاوز الانتماءات الضيقة نحو خطاب وطني جامع. وباختصار، إن ما جرى في أكثر من ساحة عربية ليس سوى تعبير عن لحظة تاريخية واحدة، وإن تعددت أشكالها. إنها لحظة الوعي الشعبي الذي بدأ يُدرك أن الطائفية ليست قدَرًا، وأن الاستبداد ليس حتمياً.
3-نقد للثورات المضادة:
يجب التحذير من أن القوى المضادة للانتفاضات، سواء كانت داخلية أو خارجية، سعت وتسعى إلى تشويه الحراك الشعبي، واحتوائه عبر أدوات إعلامية أو دينية، وإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة. وباختصار، إن الثورات المضادة لا تأتي من فراغ، بل من داخل البنية ذاتها، ومن القوى التي كانت تُمسك بخيوط اللعبة، وتحاول الآن إعادة ترتيبها تحت شعارات جديدة.
4-الانتفاضات كفرصة تأسيسية:
إن الانتفاضات تُشكّل فرصة لتأسيس دولة مدنية عقلانية، تُؤسس على المواطنة بدلًا من الطائفة، والعقلانية بدلًا من التسليم، والعدالة بدلًا من المحاصصة ولذلك فإن “التحوّل من الطائفة إلى المواطن، ومن الزعامة إلى المؤسسة، ومن الولاء إلى القانون، هو جوهر المشروع الذي يجب أن ينبثق من هذه الانتفاضات.”
5- مقارنة بين نماذج الانتفاضات:
في تحليل مركز للمقارنة بين الانتفاضات العربية نجد ما يلي:
• تونس: النظام سلطوي علماني. وطبيعة الحراك مدني ديمقراطي. وفي النتيجة هي لحظة تأسيسية ناجحة.
• مصر: النظام سلطوي عسكري. والحراك شعبي واسع. والنتيجة انتكاسة بفعل ثورة الإخوان المسلمين المضادة قبل إسقاطها لاحقاً.
• سورية: النظام سلطوي طائفي. الحراك شعبي ثم مسلح. والنتيجة انتكاسة بفعل الثورة المضادة. فكانت انتكاسة مأساوية بفعل القمع الوحشي والتدخلات الخارجية التي حمت النظام.
• السودان: النظام عسكري قبلي. والحراك مدني شبابي. والنتيجة فرصة تأسيسية رغم التعثر الذي حصل بفعل الأحداث الدموية بين فريقين من السلطة العسكرية.
• الجزائر: النظام سلطوي حزبي. والحراك سلمي منظم. والنتيجة نموذج ناضج للتراكم الشعبي.
• لبنان والعراق: النظام في لبنان طائفي دستوري، وفي العراق طائفي ميليشياوي. والحراك أفقي شبابي. والنتيجة بداية تفكك البنية الطائفية.
وفي الخلاصة، تُشكّل الانتفاضات العربية سلسلة مترابطة من الحراكات الشعبية التي تُعبّر عن لحظة تاريخية واحدة، تهدف إلى تفكيك البنية السياسية التقليدية في العالم العربي. ورغم تعثر بعضها، إلا أنها تُشكّل نواة لمشروع عربي جديد، يُؤسس على المواطنة، العقلانية، والعدالة، بدلًا من الطائفية والاستبداد.
من الإنتفاضات القطرية إلى انتفاضة قومية عربية:
حيث إن المجتمعات القطرية في الوطن العربي تتشارك بوحدة المسار والمصير، بوحدة المعاناة من المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مواجهة أنظمة رسمية استبدادية، يُحتِّم عليها وحدة نضالية تواجه تلك الإشكاليات لوضع حلول لها والنضال من أجل تنفيذها. على أن تكون ثقافتها ذات سمة مقاومة سلمية. وهذه الثقافة بدورها تحبط أولاً، أي مشروع عسكرة قد تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية التي قد تكون فاتحة لحروب أهلية. وثانياً: لكي تحصِّنها ضد أية اختراقات خارجية كما حصل في انتفاضات (الربيع العربي) التي اندلعت في العام 2011.
إن ثقافة انتفاضات المقاومة السلمية خط استراتيجي وطني وقومي، وهذا السبب يدفع بنا إلى وضع اقتراحات نظرية تتم ترجمتها في بناء قاعدة قيادية تعمل على تحصين الانتفاضات الوطنية من الوقوع في أخطاء تحرف تلك الانتفاضات عن خط سيرها السليم.
دور الحراك الشعبي العربي في بناء القيادة الوطنية والمشروع المدني: نحو آليات عملية للتحول الديمقراطي
تطرح هذه الورقة رؤية لتشكيل قيادة وطنية مستقلة، وصياغة مشروع مدني عربي جامع، باعتبارهما شرطين أساسيين لنجاح الحراك الشعبي وتحقيق التحول الديمقراطي. فما هي مبررات كل منها؟
1- مبررات الحاجة إلى قيادة وطنية مستقلة:
أدى غياب القيادة الموحدة إلى تفكك الحراك في عدة ساحات عربية. واستغلَّت القوى المضادة، الداخلية والخارجية هذا الفراغ لاحتواء الحراك وتشويهه. ولهذا فقد أثبتت التجارب السابقة أن الحراك غير المؤطر عرضة للانحراف أو التجيير.
2- آليات تشكيل القيادة الوطنية:
وتشمل عناصرها الأساسية ما يلي:
أ-تأسيس لجان تنسيقية شعبية محلية: تُشكّل في الأحياء والقرى والمدن. وتضم ناشطين مستقلين، نقابيين، طلابًا، وممثلين عن الحراك. وتُعتمد آلية الانتخاب المباشر أو التوافق المحلي لضمان التمثيل الحقيقي.
بـ- اعتماد مبدأ التمثيل الأفقي: توزيع المسؤوليات بين اللجان دون احتكار القرار. ومنع إعادة إنتاج الزعامات التقليدية أو الحزبية. وتعزيز الشفافية عبر نشر محاضر الاجتماعات والقرارات.
ت-صياغة ميثاق وطني للحراك: يتضمن مبادئ عامة من أهمها السلمية، الاستقلال، العدالة، المواطنة، رفض الطائفية. ويُعرض للنقاش العام ويُعدّل وفق ملاحظات الجماهير. كما يُستخدم كمرجعية أخلاقية وتنظيمية للحراك.
ث- إنشاء منصة إعلامية مستقلة: تُديرها فرق إعلامية من داخل الحراك لنشر البيانات، فضح الانتهاكات، وتوعية الجمهور. وتُقاوم التضليل الإعلامي وتُعزز الشفافية. وتُستخدم أيضًا للتواصل بين الحراكات في مختلف المناطق.
3- بلورة المشروع المدني العربي:
أ- تحديد الأهداف المرحلية والاستراتيجية: أهداف قصيرة المدى: إسقاط المحاصصة، مكافحة الفساد، إصلاح القضاء. وأهداف طويلة المدى: بناء دولة مدنية، دستور جديد، إصلاح اقتصادي واجتماعي شامل.
بـ- تشكيل فرق عمل تخصصية: تتضمن فرق قانونية لصياغة البدائل الدستورية. وفرق اقتصادية لتقديم نماذج تنموية بديلة. وفرق تربوية وثقافية لإعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة.
تـ- بناء شبكات تضامن إقليمية: تتولى التنسيق بين الحراكات في مختلف الأقطار العربية. وتبادل الخبرات، تنظيم مؤتمرات شعبية، إصدار بيانات مشتركة. وتشكيل جبهة عربية للحراك المدني تضم ممثلين من كل بلد.
ث- إشراك الجاليات العربية في الخارج: لتوفير دعم إعلامي وحقوقي. وتنظيم حملات ضغط دولية لصالح الحراك. وتوفير موارد معرفية ومادية للحراك الداخلي.
4- ضمان الاستمرارية والتجدد:
أ-التدريب السياسي والتنظيمي: ورش عمل لتأهيل الكوادر القيادية. وبرامج تثقيفية حول الديمقراطية، حقوق الإنسان، إدارة النزاعات. وبناء ثقافة سياسية جديدة تقوم على الحوار والمواطنة.
بـ-آليات الرقابة الذاتية: تشكيل لجان مستقلة لمراقبة أداء القيادة. ورفع تقارير دورية تُنشر علنًا لضمان الشفافية والمحاسبة. ووضع آلية لعزل أي قيادة تنحرف عن الميثاق الوطني.
تـ- الانفتاح على النقد والتقييم: مراجعة دورية للمسار السياسي والتنظيمي. وتعديل الاستراتيجيات بناءً على الواقع المتغير. وإشراك الجمهور في تقييم الأداء وصياغة البدائل.
إن الحراك الشعبي العربي بعد 2019 يُمثّل لحظة تاريخية تأسيسية، لكنه لن ينجح إلا إذا اقترن بقيادة وطنية مستقلة ومشروع مدني عقلاني. وقد تم هنا تقديم تصور عملي لهذا التحول، والدعوة إلى تبنيه من قبل النخب الفكرية، الحركات السياسية، والمجتمع المدني، من أجل بناء دولة عربية حديثة تقوم على المواطنة، العدالة، والاستقلال.
خاتمة
إن الحراك السلمي ليس مجرد خيار تكتيكي، بل هو تعبير عن نضج سياسي واجتماعي، وإن نجاحه مرهون بوعي الجماهير وقدرتها على حماية أهدافها من محاولات التجيير أو التشويه من جهة. ومن جهة أخرى، وجود قيادة مركزية. كما أن التغيير الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال تكامل عاملين أساسيين، وهما:
-الأول: مشروع وطني جامع على الصعيد القطري، يتجاوز الانقسامات الطائفية والمصالح الفئوية.
-الثاني: مشروع نضالي جبهوي قومي، تتكامل فيه نضالات الأقطار من حيث تبادل الخبرات والتنسيق في المواقف والأهداف. وهذه مهمة أساسية من مهام أحزاب وحركات وتيارات حركة التحرر العربي ويقوم تأسيسها على قواعد التساوي بحقوق الأطراف المشاركة فيها وواجباتهم.
وتكون من مهماتها الأساسية بناء ثقافة المقاومة السلمية، وتعزيز قيم العدالة والاستقلال في المجتمعات العربية.
المراجع:
(1) حسن خليل غريب، النظام الطائفي السياسي في لبنان: منهج تاريخي متخلّف، الحوار المتمدن، 2020.
(2) النظام الطائفي السياسي في لبنان: تأصيل تاريخي وواقع مرحلي وآفاق مستقبلية، دار اليسار، 2021.
(3) حسن خليل غريب، تهافت الأصوليات الإمبراطورية، دار اليسار، 2019.
(4) الحراك الشعبي وملاذاته الامنة ، حسن خليل غريب، 2013
Leave a Reply