الشاعر والمخرج المسرحي قاسم أبو زيد لـ” ثقافي الهدف”

صحيفة الهدف

صناعة الثقافة تتطلب الاستقرار.. والمبدع السوداني يعيش الغربة والتشتت

نحتاج لإعادة صياغة المناهج لتتناسب مع واقع بلادنا

الفن رسالة ومسؤولية.. والسلام سلوك قبل أن يكون شعارًا

 مُشكلة السودان الأساسية في إدارة التنوع الثقافي بشكل عادل

 الواقع السوداني تجاوز الخيال.. وهذا يجعل الكتابة في مرحلة الهلع أمرًا صعبًا

المقدمة

يُقال إن للشعراء صلةً بعالمٍ خفيٍّ من الإلهام، وأن لكل شاعرٍ “شيطانه” الذي يهمس له بالقصيدة. وشاعرنا قاسم أبو زيد واحد من أولئك الذين يكتبون من صفاءٍ روحيٍّ صوفيٍّ عميق، حيث تتحول القصيدة لديه إلى إشراقٍ وإلهامٍ يتجاوز المألوف.

قاسم أبو زيد، شاعرٌ ومخرجٌ مسرحي، وُلد بمدينة مروي عام 1959، وتلقى تعليمه العام في الدامر، قبل أن ينال بكالوريوس المعهد العالي للموسيقى والمسرح. قدّم أعمالًا درامية بارزة مثل مسلسل “آخر القطار” و”أقمار الضواحي”، كما كتب عددًا من الأغنيات الخالدة بصوت الراحل مصطفى سيد أحمد، منها “نشوة ريد”، و”سافر محطات الوداع ضجّت”. وهو أيضًا من روّاد التعليم المسرحي في السودان، إذ أسهم في إدراج فنون المسرح والدراما ضمن المقررات الدراسية بكلية التربية في جامعة الخرطوم، ثم في جامعة النيلين.

في هذا الحوار الذي أجراه معه “ملف الهدف الثقافي”، يتحدث قاسم أبو زيد عن الواقع الثقافي الراهن، ورؤيته لدور الفن والثقافة في بناء السلام واستعادة ملامح الوطن.

حوار: عبد المنعم مختار- يوسف الغوث

 لديك مسلسل جديد.. هل يمكن اعتباره ضمن أدب الـ ح.رب أو الشتات؟

 المرحلة التي نعيشها تشهد تحولات كبيرة في مجال الشعر والدراما والفنون عمومًا، وأظن أنه من الصعب جدًا تقييم الأمور قبل أن تنتهي الـ ح.رب، خاصة مع توقف الثورة الشعبية لأسباب كثيرة معلومة للجميع. الـ ح.رب أفرزت تحولات على المستوى الإثني والجهوي، وأدت إلى قطع علاقات وظهور صراعات، وحالة النزوح من مدن ملتهبة إلى أخرى، وما صاحب ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية. نحن أمام تعقيدات كبيرة لا يمكن معالجتها إلا عبر قيام دولة قادرة على خلق سلام حقيقي وشامل، ووطن يسع الجميع، بحيث يقيم كل فرد وفق عطائه. لذلك، أميل إلى عمل مسلسلات تعالج مشاكل واقعية، مثل غياب الأب عن الأسرة وتأثير ذلك على تفكك الأسر، وكذلك قضايا المخدرات التي أصبحت ظاهرة واقعية. الواقع السوداني تجاوز الخيال، وهذا يجعل كتابة الشعر أو الرواية في هذه المرحلة أمرًا صعبًا للغاية. الفن إعادة صياغة المألوف بطريقة جديدة، لكن الظروف الحالية معقدة، ويجب انتظار الاستقرار لمعرفة الطريق الأمثل لإنتاج إبداعي مستدام.

هل من دور للأدب والفن في وقف الـ ح.رب وتحقيق السلام؟

 أعتقد أن السلام يتحقق عبر توظيف التعليم والإعلام والثقافة والفنون، ومن خلال وسائل مثل الراديو والتلفزيون والتعليم العام والعالي. نحتاج إلى استراتيجيات وخطط واضحة لتعزيز السلام، تشمل رفع الوعي، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وقوانين رادعة للمفسدين، وتوفير مساكن ورفاهية للأطفال والمواطنين جميعًا. السلام ليس شعارًا يُرفع، بل سلوك ووعي يظهر في علاقتنا بالآخر وفي تعاملنا اليومي.

ما هو تقييمكم لواقع الحركة المسرحية قبل الـ ح.رب وما بعدها؟

 التعبير عن الحالة السودانية من خلال الفن صعب للغاية في ظل الوضع الحالي، فالواقع درامي عنيف وتجاوز حتى المشهد الثقافي. الفن السائد أحيانًا يكون سطحيًا ولا يخدم القضايا. صناعة الثقافة تتطلب استقرارًا، والإنسان السوداني الآن مشرد ولاجئ، وغياب الأمن والغذاء يمنع إنتاجًا ثقافيًا حقيقيًا. عملية التعافي وبناء الوطن تحتاج إلى صراحة وتعاون، ويتطلب الأمر وجود أشخاص صادقين ومؤمنين بوطنيتهم، وقبول الآخر والعمل على تنمية البلاد. المسرح لا غنى له عن الاستقرار، وفي ظل الظروف الراهنة يمكن أن يكون أداة لمناهضة الـ ح.رب ونشر خطاب السلام.

 هل لديك تصور لدور الثقافة والفنون في بناء السلام؟

 الوطن مسؤولية الجميع، ونحتاج لإعادة صياغة المناهج لتتناسب مع واقع بلادنا، مع تربية أجيال مختلفة ورفع مستوى الوعي لدى الشباب، فهم ركيزة البلد. علينا بناء خطاب تربوي وتعليمي يعزز المحبة والاحترام والاعتراف بالآخر، فاحترام بعضنا البعض أساسي لبناء وطن متعافي.

كيف تحلل المشهد الثقافي الحالي في السودان؟

 هناك نشاط ثقافي في بعض المراكز، لكنه ليس بالمستوى المطلوب. توجد مشكلات مثل قانون الرقابة ونقص البنية التحتية المناسبة للدراما، والإنتاج المسرحي في السودان يعاني بالمقارنة مع دول مثل مصر. الفن موجود منذ الحضارات القديمة، ويتجسد في رسومات حضارة نبتة ومروي وكوش، وحتى في الملابس والطقوس الدينية. الفن أصيل في حياتنا، وكان الإنسان في تلك الحقبة متحضرًا ومتقدمًا.

ما هو تقييمكم للحركة الثقافية ودورها في التغيير والسلام؟

منذ الاستقلال لم يتم الاهتمام بالثقافة والفنون، ومشكلة السودان ثقافية بحتة. إدارة التنوع الثقافي بشكل عادل وتوظيفه لخدمة التنمية هو طريق لتحقيق سلام حقيقي. حتى في الدراما، الدعم الرسمي محدود، وغالبًا يعتمد الإنتاج على الأهالي والمجتمع المحلي، والدولة بعيدة عن التقييم الحقيقي للأعمال الفنية. الدولة بحاجة لإنفاق أكبر على الثقافة والتعليم مقارنة بالدفاع، لأن الوعي هو المسار الحقيقي للتغيير والتنمية واحترام الآخر.

يتفق الناس أن مفردتك متميزة، من أين تأتيك القصيدة؟ وهل لك طقوس في الكتابة؟

 الموضوع معقد، لكن يمكن القول إن الفنان الصادق والمنتمي لواقعه يتحول فنه إلى حالة رسالية، ويتحمل مسؤولية تجاه جمهوره، فيرفع مستواه الجمالي، ويعيد له رؤية الأشياء بطريقة جديدة. الفن يحتاج إلى تجدد دائم، والمبدع المثقف يجب أن يتجاوز خطابًا فنيًا لا يخدم طموحات شعبه. الظروف الحالية صعبة، والإنسان السوداني يعيش الغربة والتشتت، ومخاوف أكبر من الإنسان في الحرب العالمية الأولى والثانية. المرحلة الحالية أبعد من الخوف، هي مرحلة هلع تحتاج لتضافر جهود الجميع.

كلمة أخيرة..

 أشكر لكم هذا اللقاء، وأتمنى أن يسهم الفن والثقافة في ترميم أرواحنا، وأن نجد في الإبداع طريقًا نحو سلامٍ شاملٍ وعادلٍ يعيد للوطن ملامحه.

#ملف_الهدف_الثقافي #قاسم_أبو_زيد #ثقافة_السلام #صناعة_الثقافة #السودان #الكلمة_مقاومة #أدب_الحرب_والشتات #الإبداع_و_الوعي

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.