منظمة منتجي النفط الإفريقية (APPO)، بين الوظيفة القارية والرهان الاستراتيجي

صحيفة الهدف

مقدمة: عندما نقرأ اختصارًا تاريخيًّا لعلاقة إفريقيا بثرواتها الهيدروكربونية، نصل سريعًا إلى حقيقة لا تقبل النِّقض، النفط في القارة ليس مجرد مادة خام للاستهلاك، بل هو محور لسياسات سيادية، وحامل قدرة إنتاجية قد تعيد تشكيل بنية القوة العالمية إن أُحسِن استثمارها. في هذا السياق تأسست المنظمة الإفريقية لمنتجي النفط (African Petroleum Producers’ Organization) (APPO) سنة (1987)، لتكون فضاءً قاريًا للتنسيق بين الدول المنتجة، ولتعمل كمنصة للتشارك المعرفي، وللسعي نحو تقليل الاعتماد على السوق والتقنية الخارجية، ولإيجاد آليات تمويلية إفريقية لمشروعات الطاقة.

أولاً: المهمة والمهام: أكثر من مجرد تجمع دولي: تجسد (APPO)، طموحًا وظيفيًا مزدوجًا، داخليًا، تطوير سلاسل القيمة المحلية (المحتوى المحلي، الوظائف، نقل التكنولوجيا)، وخارجيًا التفاوض المنظم مع شركات الطاقة متعددة الجنسيات والأسواق الدولية. تقوم المنظمة بصياغة دراسات واستراتيجيات لربط السياسة النفطية الوطنية بمصالح قارية، وهي اليوم تعمل — ضمن هذا السياق — على تدشين أداة تمويلية افريقية (بنك الطاقة الأفريقي) للتعويض عن انسحاب الكثير من البنوك الدولية من تمويل مشاريع الوقود الأحفوري. خطوة كهذه تؤمّن قدرة أفريقيا على تمويل مشاريعها بالتركيز على الأولويات القارية.
ثانياً: العضوية والنطاق: صوتٌ يجمع دولًا ذات وزن نفطي: تضمّ المنظمة (18) دولة منتجة — من الجزائر وليبيا في شمال أفريقيا إلى أنغولا ونيجيريا في الجنوب — ما يجعلها تمثّل نسبة مهمة من احتياطي وإنتاج النفط العالمي. هذا التجمع يضفي للمنظمة مصداقية لبلورة مواقف قارية مشتركة إزاء قضايا مثل الأمن الطاقي، الأسعار، ومطالب المحتوى المحلي. أيّ قدرة لهذه الهيئة على التنسيق ستؤثر بالضرورة في موازين القوّة الإقليمية والدولية.
ثالثاً: تأثيرات محتملة على القارة: اقتصاد، سياسة، واستقلالية مالية:
1. اقتصادياً، قدرة (APPO)، على التفاوض الجماعي والتخطيط لتمويل مشروعات محلية (مثل مصافي الغاز والبتروكيماويات، وبُنى تحتية للخطوط والتموين) يمكن أن تقلل من قيمة تصدير الخام كخدمة وحيدة وتزيد من قيمة المعالجة المحلية، ما يخلق وظائف ويحدّ من تسرب القيمة إلى الخارج. كما أن تأسيس بنية تمويل إفريقية — مثل بنك الطاقة — يقطع شريان اعتماد التمويل على القاطرات الدولية ويمنح الدول هامشًا سياسياً واقتصادياً أكبر.
2. سياسيًا، منصة موحّدة لمنتجي النفط قادرة على فرض أجندة قارية في محافل مثل منظمة الدول المصدرة أو الأسواق العالمية، ويمكن أن تعمل كآلية ضغط لتحسين شروط العقود أو فرض معايير محتوى محلي وبيئي وأمني.
3. استراتيجياً، تقليل الاعتماد على الأسواق الغربية وخلق شبكة تمويل وبنية تحتية قارية يؤثر على موضع إفريقيا في خرائط الطاقة العالمية ويمنحها هامش مفاوضة أوسع.
رابعاً: تأثير ذلك على صناعة النفط العربية وقضايا الأمة العربية : وجود أقطار عربية داخل عضوية (APPO)، (الجزائر، ليبيا، مصر، وغيرها) يعني أن لخطوة أي تنسيق قاري انعكاسات مباشرة على الصناعة النفطية العربية:
1. توحيد المعايير والرسائل: سيُمكِّن من تشكيل مواقف عربية- إفريقية مشتركة بشأن الأسعار والاتفاقات مع شركات الطاقة.
2. الفرص الاستثمارية: قيام بنك للطاقة أو آليات أفريقية لتمويل المشاريع يوفر مجالًا لربط الاستثمارات العربية بمشاريع قارية، مما يعزز التكامل الاقتصادي العربي – الإفريقي.
3. موقف قضايا الأمة العربية: عند تحصين موارد القارة وتوجيهها نحو تنمية سيادية، يُصبح للاقتصاد العربي ـ خاصة دول الشمال الإفريقي ـ حبل نجاة استراتيجي، كما أن قدرة إفريقيا على حماية مواردها تُقوّي الحِلف السياسي في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية.
4. تمثل الدول العربية الأعضاء في APPO))، جسراً استراتيجياً للتكامل الاقتصادي بين الوطن العربي وإفريقيا. فمن خلال تنسيق السياسات النفطية، يمكن تعظيم الفوائد للطرفين، الشعب العربي يحصل على عمق استراتيجي في القارة الإفريقية، وإفريقيا تستفيد من الخبرات العربية المتراكمة في صناعة النفط. هذا التكامل يمكن أن يشكل نواة لمشروع تحرري اقتصادي يعزز سيادة الطرفين على مواردهما.
نقطة هامة يجب توضيحها وهي لا يُقصد بـ(التنسيق القاري) استبعاد المصالح الوطنية، بل بلورتها ضمن منظومة فاعلة تعظّم المكتسبات المشتركة وتُقلّل من هشاشة السياسات أحادية الجانب. هذه البوصلة هي التي تجعل من (APPO)، هيئة يمكن أن تخدم المصالح العربية الإفريقية المشتركة لا العكس.
خامساً: النظرة الفلسفية: موارد الأرض كقِيم فلسفية للسيادة: نقف هنا عند بُعد فلسفي محوري، يتمثل في أن الموارد الطبيعية ليست سلعًا فحسب؛ بل هي عناصر تشكّل قدرة المجتمعات على أن تبقى ذات شأن، وأن تصوغ هويتها، وأن تقرر مصيرها. إدارة النفط بإطار قاري تتحوّل إذًا إلى فعل وجودي، هل نسمح لقوى خارجية أن تصنع تاريخنا؟ أم نستعيد القرار كشعوب؟(APPO)، بهذا المعنى ليست مجرد تنظيم تقني، بل محاولة لإعادة تأطير العلاقة بين الإنسان والأرض والسلطة في إفريقيا، حيث تصبح سيادة الموارد مرآة لكرامة الشعوب.
سادساً: متطلبات نجاح المنظمة ورؤيتها المستقبلية (عمليًّا واستراتيجيًّا): في خضمّ التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة، وإعادة تشكيل خريطة القوى العالمية مع بروز أقطاب جديدة، يبرز تفعيل دور المنظمة الإفريقية لمنتجي النفط (APPO) ليس مجرد كخيار استراتيجي، بل كضرورة وجودية للقارة. فالمنافسة المحتدمة بين القوى التقليدية (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي) والصاعدة (الصين وروسيا والهند) على موارد إفريقيا، لم تعد تخفي نفسها بوصفها حربًا بالوكالة على الأرض الإفريقية. في هذا المشهد، تتحول المنظمة من مجرد منصة للتنسيق إلى (درع سيادي)، يحمي مصالح الدول الأعضاء. إن بروز أقطاب جديدة يمنح إفريقيا هامشًا للمناورة وفرصة تاريخية لكسر احتكار الشركات الغربية، لكنه يفرض في الوقت ذاته ضرورة ملحة لتوحيد الرؤية والموقف التفاوضي. فبدون تكتل قاري موحد، ستظل كل دولة إفريقية طرفًا ضعيفًا في معادلة تتصارع عليها عمالقة العالم، عاجزة عن التحكم في أسعار منتجها، أو فرض شروط تحقق القيمة المضافة المحلية، أو تحديد شركائها الاستراتيجيين. لذلك، فإن تفعيل دور (APPO)، اليوم هو بمثابة السبيل الوحيد لتحويل التحديات إلى فرص، وضمان أن تظل كنوز القارة نعمة لشعوبها، وليس وقودًا لصراعات الآخرين أو مصدرًا لثراء خارجي على حساب تنميتها وسيادتها. وتتمثل المتطلبات في التالي:
1. حوكمة شفافة وقوية: نجاح أي هيكل قاري يعتمد على قواعد حوكمة واضحة، آليات محاسبة، والتزام بالمعايير الدولية والالتزامات القارية. (APPO)، تعمل على ذلك لكن الطريق طويل.
2. تمويل مستقل وموثوق: إطلاق بنك الطاقة الإفريقي وتعبئته برأس مال حقيقي، وربطها بمصادر استثمارية إقليمية (بما في ذلك صناديق عربية وإفريقية) سيمنح مشاريع القارة جرأة للاستثمار.
3. وحدة سياسية بين الأعضاء: التوازن بين مصالح الدول الكبرى (نيجيريا، الجزائر، أنغولا) والصغرى يتطلب إطارًا تفاوضيًا عادلاً يمنع احتكار القرار.
4. التحول المنسق للطاقة: في ظل التحوّل العالمي نحو الطاقة النظيفة، على (APPO)، أن توائم مصالح الدول التي تعتمد إيراداتها على النفط مع استراتيجيات تنويع واقتصاد أخضر تدريجي. هذا مطلب بقاء لا رفاهية.
5. بناء قدرات فنية ومحلية: تطوير الجامعات والمعاهد الفنية، والتشجيع على الصناعات البتروكيماوية المحلية، لزيادة القيمة المضافة داخل القارة.
رغم الطموحات الكبيرة للمنظمة، تواجه
(APPO)، تحديات هيكلية تتمثل في:
1. تفاوت القدرات الاقتصادية والفنية بين الدول الأعضاء
2. تأثير الصراعات الإقليمية على التنسيق المشترك
3. ضغوط القوى الدولية للحفاظ على هيمنتها على موارد القارة
4. تحديات التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة
خلاصة: المنظمة الإفريقية لمنتجي النفط تحمل إمكانًا حقيقيًا لإعادة توزيع أوراق القوة في ملف الطاقة: اقتصاديًا عبر خلق قيمة مضافة وإطار تمويلي إفريقي، وسياسيًا عبر توحيد خطاب القارة في المحافل الدولية، وفلسفيًا عبر استعادة حقّ الشعوب في ممتلكاتها. في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تواجه (APPO)، تحدي وجودي، إما أن تتحول إلى منصة لإدارة مرحلة ما بعد النفط، أو أن تظل أسيرة نموذج طاقي آيل للزوال. هذا يتطلب تطوير رؤية استباقية للاستفادة من عوائد النفط في تموين التحول نحو اقتصاد متنوع ومستدام. من جانب آخر بالإمكان للدول الأخرى ( التي لم تكن جزء من المنظمة )، أن تنضم للمنظمة، مما يؤدي الى زيادة فاعليتها وتأثيرها .

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.