
محمد الحاج
#ملف_الهدف_الثقافي
منذò زغب البدايات وأنمار الصبا الأول، كان وردي فينا، استنشَقناه مع شميم الورد ورائحة الطيوب، عبق الطين ودعاش المطر، يضيء عتمة الليل ويزين شحوب النهار، يأتي صوته كفرسٍ جامح يشدك إلى الهنا ويركض بك إلى الهناك، مرتسمًا كقوس قزح في سماء الروح، ومنحدرًا كنهر ثالث يصب في دلتا القلب.
وردي، الصوت الذي غنى للحب والمحبة، للحزن والفرح، للبعد والغربة، للثورة والناس، للنيل والأرض والوطن.
“قوس قزح الغناء السوداني، طائر المطر الآتي، يرفّ كنداء يحمل أطياف البعيد، مضمَّخًا بصهيل خيل الأجداد، وموشّى بنقوش زقّورات ومسلّات أزمنة سحيقة.
شامخًا كنخلة بين نهرين، منعشًا كغرغرة الماء في حلق صاد، صوت مثقل بعراجين أحلامنا واختلاجات القلوب، تهويدات الأراجيح القديمة، نبع يرشح من مسام الذاكرة.
مضرج بنداءات الشوق، لوعة الغربة ولواعج الحنين، صبوات العشق الأولى، صوت يصلصل كقيثار شجي في مفازات الوجد، وينداح كمزامير الرعاة في فلوات الوجود، يهسهس قصب الروح، يروّض قلق العشيّات، يفلّي ريش الحزن القديم، ويُضاحك الفرح المراوغ، يهمي كغيمة على أهداب الحياة الموقرة بالخسارات.
ويكحّل صباحات الأفق المسدود، يرفو فتق الروح، ويُرمّم صدع وطن غارق في الدم.”
وردي، الصوت المجنح والمقصّب بذهب المعاني، يأتي شاهقًا كورد السهوب، وناصعًا كزهرة نرجس، تضوع في أعالي رهوات الوجد، مندفعًا كصلصلة أجراس الرحيل وسلسال الماء على الحصى، يترقرق في بحيرات الشعر ويتمرغ في باحات المعنى.
نابض بالمحبة، يُقطّر في حلق الحياة الجافة قطرات من عصير الخلود، ويترك أثرًا ونقشًا على أفاريز الروح المهدودة بالتعب.
اتكاؤه على جذع الحنين وتهويده على أرجوحة الشجر القديمة، يكعكع من ركوة العمر نخب الصبوات، ترنيمة تتلفع بثوب العشق، ناظمها مسبحة من خرز المحبة وناسجها مناديل مضرجة بتنهدات ومخامرات الشوق.
يَجو؛ لك في أمكنة موشومة في الذاكرة ومنقوشة كأباهيم طير على صلصال الروح.
يرمّم بانثيالاته جرار الذكرى، يلوح لشموس غاربة وعشيات حمى وحداءات ونايات حالمة.
وردي، صوت غرس زهرة الخلود في مرج الغناء السوداني، ومضى بعد أن لوّن دواخلنا بالجمال، وبقي موشومًا فينا كتلويحة وداع، وقرص شمسٍ منغرس في ندأة الغروب، تنده في قفا حيوات وحيوات تعدو في غيابة البعيد.
Leave a Reply