
عبد المنعم مختار
#ملف_الهدف_الثقافي
حين نتأمل نصوص الشباب السوداني اليوم، في الرواية والقصة القصيرة، ندرك أننا أمام كتابة تتجاوز حدود البلاغة لتصبح فعل مقاومةٍ ثقافية بامتياز. إنهم يكتبون عن وطنٍ ينهار تحت وطأة الحرب والخذلان، ويحاولون عبر السرد إعادة تشكيل ملامحه فوق الورق، في مواجهة سلطةٍ غاشمة وثقافةٍ سعت لطمس كل ما هو حيّ.
لقد تفتّح هذا الجيل وسط قمع نظام الكيزان، الذي صادر الحريات، وأخضع الفضاء العام لمنطق العنف والتكفير والإقصاء. فجاءت نصوصهم محمّلة بتمردٍ يعرّي آليات الاستبداد، ويكشف تناقضات المجتمع، ويقاوم التواطؤ الثقافي مع الطغيان.
في فضاء الرواية، برزت أسماء مثل حمور زيادة في شوق الدرويش، حيث استعاد تاريخ العنف والسلطة ليحاور راهن الاستبداد. وعبد العزيز بركة ساكن في الجنقو مسامير الأرض، الذي جعل المهمشين أبطالًا، مسجلًا سيرة السودان المخفي والمقموع. كما طرح منصور الصويم في أيام الشمس المشرقة أسئلة عن المصير والحرية، فيما كتبت رانيا مأمون في أشياء صغيرة عن اليومي والهامشي كمساحة للمقاومة الخفية.
وشهدت القصة القصيرة، تفتح أصوات جديدة مثل تسنيم طه، رانيا الأمين، وطارق الطيب، حيث تتقاطع ثيمات القهر السياسي مع تفاصيل الحياة اليومية، في نصوصٍ تمزج بين الحلم والكوابيس، وبين السخرية السوداء والبوح الإنساني.
ولم تتوقف التجربة عند حدود الأسماء الأشهر، بل انفتحت على إضافات لافتة تثري المشهد: مجموعة مكابدات الشفيع السناري للقاص د.معاوية الشفيع، والمجموعات القصصية للدكتور أشرف مبارك، إلى جانب كتابات هيثم الشفيع تسبقه فاطمة السنوسي وغيرهم كثر.
القاسم المشترك في هذه التجارب أنّها لم تعد مجرد بكاء على الأطلال، بل مشروع متكامل لبناء بديل ثقافي في مواجهة ثقافة الكيزان التي سعت لتدجين المجتمع وتفريغ وعيه. هذا الأدب يطرح قيم الحرية والتعدد والمقاومة، ويعيد الاعتبار للمهمّش والمقموع، جاعلًا من القصة والرواية، ومعهما الشعر، قلاعًا أخيرة تحفظ معنى الوطن. ومن بين الركام، تتشكل كتابةٌ لا تهادن، بل تفتح أفقًا جديدًا لوطنٍ آخر ممكن، يتأسس أولًا في المخيلة، قبل أن يتحقق على الأرض
Leave a Reply