حول الفيضانات وسد النهضة

صحيفة الهدف

كتبت:- حاجه فضل كرنديس

اعلنت إثيوبيا في فبراير 2011 عن عزمها إنشاء سد على النيل الأزرق، والذي يعرف بسد هيداسي على بُعد 20-40 كم من الحدود السودانية، بسعة تخزينية تُقدّر بنحو 16.5 مليار متر مكعب. وتغير الاسم لاحقًا إلى سد النهضة. جرت مشاورات كثيرة بين إثيوبيا والسودان ومصر عن مخاطر ومحاسن السد لكل دولة من الدول الثلاث. ولكن لأن السودان حينها وفي ظل حكومة الإنقاذ كان قادته منشغلون فقط  بالتفكير في كيف يحافظون على كراسي  حكم السودان وجمع الثروات والمصالح الشخصية لم يلتفتوا إلى مثل هذه الاتفاقيات المهمة، بل واصل الانقاذيون سرقة ما تبقى من موارد السودان المكلوم، لم يلتفت أحد إلى أن لسد النهضة محاسن وأضرار مستقبلًا على السودان، فتجد أن آراءهم كانت  متناقضة بل محكومة بالمزاج السياسي حول قرار السد، فهم أحيانًا مع مصر ضد بناء السد وأحيانًا مع إثيوبيا لدعم بناء السد. هذا الموقف المتأرجح أدى، وسيؤدي مستقبلاً، لكثير من الكوارث الطبيعية والفيضانات، وهي تمثل تحديات وأخطار تستدعي حلولاً استباقية.

يشهد السودان في الآونة الأخيرة فيضانات نيلية غير مسبوقة، غمرت مياه النيل الأبيض خران جبل أولياء ومناطق متفرقة جنوبي الخرطوم والكلاكلات والمناطق الواقعة على ضفافه. كذلك أغرق النيل الأزرق مناطق خزان الرصيرص سنار وسنجة والمناطق المتآخمة لضفافه في الجزيرة وكذلك جزيرة توتي وأبو روف بأم درمان، مخلفًا خسائر فادحة في الماشية والممتلكات بولاية نهر النيل والولاية الشمالية. هذه الكارثة طرحت تساؤلات حول استعدادات البلاد لمواجهة مثل هذه الأخطار، وأهمية تبني استراتيجيات استباقية لحماية المواطنين والبنية التحتية. بدلاً عن الاستغاثة في كل عام من المتضررين ونزوح العديد من الأسر بعد أن تتسبب الفيضانات في خسائر متكررة متعددة في البشر َكذلك الزرع والضرع.

لا تزال هنالك تحذيرات من استمرار الفيضان وتوقعات بزيادة منسوب المياه، مما يثير تخوفات لدى سكان المناطق المحيطة بالخزان والواقعة على ضفاف مجاري الأنهار. كذلك نبهت وحدة الإنذار المبكر بوزارة الري وحذرت في الفترة السابقة من تداعيات فيضان النيل مشيرة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية للحد من الأضرار.

للأسف الأموال التي أنفقت في حروب غير مجدية كان من الممكن توظيفها في مشاريع استراتيجية مثل شق ترع ومد قنوات لتأمين البلاد ضد مخاطر الفيضانات، وتحسبًا لأي تحركات غير متوقعة من إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة من توليد كهرباء أو فتح توربينات وخلافه، كذلك يمكن أن يكون أداة للابتزاز السياسي. من الضروري أن يفكر حكام الأمر الواقع والمختصون في حلول جذرية، مع إمكانية الاستعانة بخبراء أجانب لضمان حماية السودان من الأخطار المائية.

يجب وضع خطة للطوارئ تتمثل في:

1/ إنشاء مدن جديدة بتصاميم مقاومة للفيضانات، مع الأخذ في الاعتبار التوسع العمراني المستقبلي.

2/ استصلاح أراضٍ جديدة للزراعة بعيدًا عن مناطق الفيضان، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي.

3/إنشاء سدود جديدة  داعمة لخزانات الدمازين وسنار، مع تعزيز قدراتها لتكون أكثر فاعلية في مواجهة الفيضانات.

4/ التواصل مع دول مثل الصين واليابان وأمريكا وألمانيا لطلب الدعم الفني والمالي لمواجهة كارثة سد النهضة وتأثيراته.

5/التركيز على بناء خزانات جديدة وتوسيع الخزانات الحالية، بدلاً من الاعتماد فقط على اتفاقات قانونية قد لا تحمي البلاد من الأخطار الفعلية.

6/ ضرورة التوصل لاتفاقيات ملزمة مع دول المصب لضمان التشغيل الآمن لسدود المنطقة وضمان حقوق السودان المائية.

في الواقع القانون الدولي لا يضمن حماية فعلية، والواقع يشهد تحديات كبيرة شرقًا وغربًا. لذلك، يجب على السودان تبني استراتيجيات عملية وواقعية تعتمد على بناء البنية التحتية القادرة على مواجهة الفيضانات، مع تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق الأمن المائي.

يجب أن يكون الشعب السوداني على دراية تامة بالخطط الحكومية السابقة واللاحقة، وأن يشارك في جهود الوقاية والحماية من الفيضانات. التوعية المجتمعية والاستعداد الشعبي أمران أساسيان في التعامل مع الكوارث الطبيعية.

مواجهة تحديات فيضان النيل تتطلب رؤية استراتيجية واستباقية، مع التركيز على بناء البنية التحتية وتأمين الموارد اللازمة. بدلاً من الانشغال بالحروب والنزاعات، يجب توجيه الجهود نحو حماية البلاد من الأخطار الطبيعية، وضمان مستقبل آمن ومستقر للشعب السوداني. الوقت مناسب لاتخاذ إجراءات جريئة وعملية، ويجب أن تكون الأولوية لحماية المواطن والوطن من الأخطار المحدقة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.